للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المسرح والسينما]

عصر السرعة والأعصاب المكدودة

وأثره في الإنتاج المسرحي والسينمائي

اشتهر هذا العصر بأنه (عصر السرعة) ومن علاماته المميزة - وقد تكون إحدى النتائج القريبة لهذا الوصف - توتر الأعصاب

فالبنية الإنسانية طاقة إذا أجهدت تنبهت أعصابها وأرهفت واشتدت قابليتها لكل مؤثر، ومن مجهدات الأعصاب في هذه الأيام تعدد المطالب التي لم تجعل حداً لحاجات الناس بل أطماعهم، وكثرة الأزمات في شتى نواحي الحياة، وترقب الحروب والانقلابات يوماً بعد يوم، وضعف الوارع الأدبي بفضل أخلاق الساسة ومعاملات الدول بعضها لبعض وعدم احترام التعهدات والوعود، وتهديد البطالة لك آمن أو شبه آمن، وتفشي المخدرات والأمراض، وكثرة الضوضاء، وعدم الاستقرار، وتسلط المادية. . . الخ

كل هذه الأمور أفقدت النفس مساكها والأعصاب احتمالها وظهر اثر ذلك في جميع مرافق الحياة

ففي الشارع - كثيراً ما يقابل المرء أناساً وجهاء وغير وجهاء يتحدثون إلى أنفسهم بصوت مسموع، ويضحكون من غير دافع إلى الضحك، ويشيرون بأيديهم إشارات لا تصدر إلا عن مخبول أو مذهول

وفي المرقص صدف الناس عن الرقص التصويري الشعري وافتنوا في الرقصات التوقيعية العنيفة

وفي الملعب ازدادت أحابيل المشعوذين، ومارسوا كل عمل شاذ لا يكاد يخطر على عقل سليم

وفي المعرض - تقدمت الرسوم (الكاريكاتيرية) لأنها الوسيلة الوحيدة لرسم الأفكار الخاصة التي لا تظهر في الطبيعة

وفي الموسيقى لم تفلح الآلات الوترية الهادئة في هذا الجو الصاخب المخمور حيث أفلحت آلات (الجاز) العنيفة المدوية

وفي المكتبة اختفى الكتاب الجيد بين آلاف من الكتب الفارغة التي استعصى على أصحابها

<<  <  ج:
ص:  >  >>