(حديث أنقله إلى صديقي النابغة العالم الأستاذ علي الطنطاوي)
(صلاح الدين)
كنا أربعة نفر، مللنا عملنا الرسمي، فانطلقنا نستروح نسمات الربيع الدافئة المعطرة في غوطة دمشق، جنة الدنيا، وكنا نحس، وقد ابتعدنا عن المدينة مجمع الشقاق والنفاق، أننا نستطيع أن نتكلم. . . فلا رقيب يحصي أنفاسنا ونظراتنا وكلماتنا وليس من يطالبنا بالنفاق باسم اللباقة والتمدن والمصانعة. فقلت لصاحبنا الفتى: لقد أمر اللغة والأدب بهؤلاء الذي عادوا وقد لقنوا اللغة على الأعاجم من ذوي الرطانة والعطانة؛ لقد صادفت اليوم في طريقي طالبا في الجامعة فحدثني حديثا أهمني. . . حدثني أن أستاذه قرأ عليه نصا فيه (لبس ثوب الحداد) فقرأها (اَلحدَّاد) فلما قال له الطالب: إنها اِلحدَاد يا أستاذ! انتهره وأصر على أنها الحداّد. ثم ساق الأستاذ على ذلك دليلا تمسك به فقال هكذا أخذناها عن المستشرق فلان. . . أتعلمون من هو هذا المستشرق؟ إنه أوسع أهل الاستشراق علماَ، وأذكاهم فهما، وأفصحهم لسانا. وقوله لا يرد لأنه ثقة، ضابط، محرر.
قلت: لقد مسخ الزمان، فجاء بهؤلاء المسوخ الذين يقولون هكذا أخذناها عن المستشرق فلان. ليت شعري إذا كان الأستاذ هكذا، فكيف يأتي التلاميذ؛ وليت شعري أما درى من انتقى هؤلاء ليكونوا في الجامعة أنهم يهدمون اللغة ويهتكون الأدب؟ فقاطعني صاحبي، وقال لا تلم هؤلاء إذا أخطئوا. ولا تعجل عليهم بنقدك إذا تكبروا. . . فما كبرياؤهم غير ستر لجهلهم. إنهم ليسوا بشيء، ولو بلغوا رتبة الوزارة. فما يزال في الناس ناس يعلمون أن الفضل لأولى العلم، لا لذوي الجهل. لقد غشهم من أوفدهم لتلقى العربية عند ذوي الرطانة. . . فعادوا يغشون الطلاب بجهل فاضح، والناس بشهادات أزياف كواذب.
قال أكبرنا: ولكن هذا ليس بالأمر العجب. فهناك أعجب وأغرب. ألم يأتكم نبأ ذلك الذي عاد من أوربة، كما تعود هذه الجماعة الضعاف قلوبها، السخيفة عقولها، شغفا بأقوال المستشرقين، مدلها بمذاهبهم، فجعل نفسه من شباب محمد، فطنطن صحبه بعلمه وفضله، ثم أخرج كتابا، فإذا هو يطعن فيه على محمد، فيختلق ويفتري، ويدس ويماري ويأخذ