ويقول:(لكل ناقد موازينه ومقاييسه، وهذه الموازين والمقاييس ليست مسجلة لا في السماء ولا على الأرض، ولا قوة تدعمها وتظهرها قيّمة صادقة سوى قوة الناقد نفسه، وقوة الناقد هي فيما يبطن به سطوره من الإخلاص في النية، والمحبة للمهنة، والغيرة على موضوعه، ودقة الذوق، ورقة الشعور، وتيقظ الفكر، وما أوتيه بعد ذلك من مقدرة البيان لتنفيذ ما يقوله لعقل القارئ وقلبه. . .
(لا يكون الناقد ناقداً إذا تجرد من خلة (قوة التمييز الفطرية) تلك القوة التي تبتدع لنفسها مقاييس وأوزاناً ولا تبتدعها المقاييس والأوزان، فالناقد الذي ينقد (حسب القواعد) التي وضعها سواه لا ينفع نفسه ولا منقوده ولا الأدب بشيء.
(. . . نحن في حاجة إلى الناقدين لأن أذواق السواد الأعظم منا مشوهة بخرافات رضعناها من ثدي أمسنا، وترهات اقتبلناها من كف يومنا، فالناقد الذي يقدر أن ينتشلنا من خرافات أمسنا وترهات يومنا، والذي يضع لنا اليوم محجة لندركها في الغد، هو الرائد الذي سنتبعه والحادي الذي سنسير على حدوه.
ويقول: (إذا لم يكن للناقد من فضل سوى رد الأمور إلى مصادرها، وتسميتها بأسمائها لكفاه ذلك ثواباً. إلا أن فضل الناقد لا ينحصر في التمحيص والتثمين والترتيب، فهو مبدع ومولد ومرشد، مثلما هو ممحص ومثمن ومرتب.
(هو مبدع عندما يرفع النقاب في أثر ينقده عن جوهر لم يهتد إليه أحد، حتى صاحب الأثر نفسه.
هو مولد، لأنه فيما ينقد ليس في الواقع إلا كاشفاً نفسه.
وهو مرشد، لأنه كثيراً ما يرد مغروراً إلى صوابه؛ أو يهدي شاعراً ضالا إلى سبيله.
(رب ناقد لم ينظم في حياته بيتاً، ولا عرف ما في النظم من مشقة الأوزان والقوافي؛ ولا