في لذة الفوز بها؛ غير أن ذلك لا يعوقه عن إدراك ما في الإفصاح عن عوامل النفس من لذة روحانية، ولا يعميه عن تموجات الألوان في الرسوم الكلامية، ولا يصمه عن رنة الألحان في مقاطع الألفاظ والعبارات.
والناقد في إمكانه الدخول إلى مستودع روح الشاعر، وتفقد مخبئاته إلى أن تتولد فيه حالة نفسية كالتي تمخضت في الشاعر بتلك القصيدة؛ فيصبح الناقد كأنه الشاعر وكأن القصيدة من وضعه.
(إن حظ الناقدين من دهرهم قليل، فهم لا يرضون فريقاً من الناس إلا بإغضاب فريق آخر، غير أن القوي بينهم - والقوي من أخلص النية - لا يحفل بمن يرضى وبمن يغضب، لأنه يخدم غاية أكبر من رضاء الناس وسخطهم، ويتمم وظيفة هي من أهم وظائف الحياة. .) ويضيف الأستاذ العقاد على هذا التعريف الشامل للناقد فيقول: (عمل الناقد تصحيح كثير من مقاييس الأدب، وإن من يصحح مقياساً للأدب فقد يصحح مقياساً للحياة).
(. . . كلنا يتكلم عن الشعر؛ بعضنا يؤلهه، والآخر يعشقه والثالث يقرضه، والرابع يقتات ويتنفس به، هذا يشحذ ذاكرته بالمعلقات والموشحات والخاليات واللاميات، يرددها في وحدته ويتلوها على مسمع أصحابه، وذاك يكتب القصيدة بعد القصيدة يستعد لأن ينشر درر أفكاره في (ديوان). . . فلا بدع فنحن من سلالة قوم هم، إذا مات منهم شاعر قام شاعر. . . نحفل بالشعر لأنه لغة النفس وترجمان عواطفنا وأفكارنا. . .) والشاعر هو نبي وفيلسوف وموسيقي وكاهن.
نبي: لأنه يرى بعينه الروحية ما لا يراه كل البشر.
ومصور: لأنه يقدر أن يكسب ما يراه وما يسمعه في قوالب جميلة من صور الكلام.
وموسيقي: لأنه يسمع أصواتا متوازنة حيث لا نسمع نحن سوى هدير وجعجعة.
وكاهن: لأنه يخدم إلهاً هو الحقيقة والجمال.
. . . إن روح الشاعر تسمع دقات أنباض الحياة، وقلبه يردد صداها، ولسانه يتكلم (بفضلة قلبه).
(ليس الشاعر من يخلق عواطف ويولد أفكاراً، إنما الشاعر من يمد أصابع وحيه إلى أغشية