قلوبكم وأفكاركم، فيرفع جانباً منها، ويحول كل أبصاركم إلى ما انطوى تحتها فتبصرون هناك عواطف وتعثرون على أفكار. . . هي أفكاركم. . ثم يترككم وإياها تستجلون ألوانها، وتتفحصون معانيها. . . عندها تستفيق أنفسنا إذا شعرت برعشة الحياة في داخلها، لأن الحياة فينا لا خارجا عنا، وما التأثيرات التي تحدثها فينا الطبيعة أو الحياة الخارجية إلا منبه لما كمن في داخلنا من العواطف والأفكار)
(الشاعر ترجمان النفس والشعر لغتها. . . خيال الشاعر حقيقته. . . الشاعر الذي يستحق أن يكون شاعرا لا يكتب ولا يصف إلا ما تراه عينه الروحية، ويختمر به قلبه حتى يصبح حقيقة راهنة في حياته ولو كانت عينه المادية قاصرة عن رؤيته.
. . . بين شعرائنا المعاصرين الذين في شعرهم مدى، أي قوى التفكير والعاطفة والبيان، شاعر أقل ما يقال فيه إن لشاعريته وجهاً يميزها عن كل شاعرية، ولألحانه رنة تعرف بها بين سائر الألحان، وفي كل ما ينظمه نكهة تختلف عن كل نكهة. وبعبارة أخرى، إن في شعره شخصية لا تندغم في شخصية أحد من الشعراء. . .
ما هو الشعر؟ هو نسمة الحياة. والذي أعنيه بنسمة الحياة، ليس إلا انعكاس بعض ما في داخلي من عوامل الوجود في الكلام المنظوم. والشعر الذي ينزل بفكري إلى أغوار تحتها أغوار، ويعلو به إلى سماوات تلوح من ورائها سماوات، ويفتتح لخيالي آفاقا خلفها آفاق، ويفسح لعاطفتي مدى يجرها إلى أمداء، هو الشعر الذي تستأنس به روحي، وتتفتح له براعيم الحياة في داخلي. ولا بد للشعر من عاطفة وخيال يجعل من الشعر والموسيقى توأمين
ما هي الغاية من الشعر؟ قوم يقولون إن غاية الشعر محصورة فيه ولا يجب أن تتعداه (الفن لأجل الفن) وآخرون يقولون إن الشعر يجب أن يكون خادما لحاجات الإنسانية، وإنه زخرفة لا ثمن لها إذا قصر عن هذه المهمة. ولهذين المذهبين تاريخ طويل. . . إنما نكتفي أن نقول إن الشاعر لا يجب أن يكون عبد زمانه ورهين إرادة قومه. ولكننا نعتقد أن الشاعر لا يجب أن يطبق عينيه ويصم أذنيه عن حاجات الحياة وينظم ما توحيه إليه نفسه فقط، سواء كان لخير العالم أو لويله، وما دام الشاعر يستمد غذاء لقريحته من الحياة، فهو لا يقدر إلا أن يعكس أشعة تلك الحياة في أشعاره. . . لذاك يقال إن الشاعر ابن زمانه.