للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[النطق وكيف نشأ في الإنسان وفي الحيوانات العليا؟]

للأستاذ نصيف المنقبادي المحامي

٢ - نشوء النطق في النوع الإنساني

أثبتنا في مقالنا الأول بالمشاهدات والاختبارات المختلفة أن النطق ليس غريزياً في الإنسان ولا هو قاصر عليه ولا مميز له دون الحيوانات الأخرى، بل هو ظاهرة فسيولوجية بسيكولوجية طرأت عليه وعلى بعض الطيور وعدد من الحيوانات العليا وعلى الأخص القرود الشبيه بالإنسان، وإنما الرفق بين الإنسان وبين الحيوانات هو فرق في الدرجة ليس إلا.

ونتكلم اليوم عن كيفية نشوء النطق في الإنسان فنقول: إن لنا في كيفية نشوء النطق في الأطفال الآن وفي اللغة البسيطة التي يبدءون بها الكلام، وكذلك في لغات بعض القبائل المتوحشة الحالية، صورة مصغرة من كيفية نشوء النطق في أول أمره.

إن كل ما يمتاز به البشر عن الحيوانات الأخرى من هذه الناحية هو نمو المخ وبالتالي النشاط العقلي من جهة، ونمو التكوين التشريحي والفسيولوجي للأعضاء التي تشترك في عمليات النطق من جهة ثانية، ونمو الحياة الاجتماعية من جهة ثالثة في النوع الإنساني أكثر منه في الأنواع الحيوانية الأخرى للأسباب الطبيعية التي سيأتي الكلام عليها.

وقد بينّا في مقال نشر في (الرسالة) منذ بضع سنين أن الظروف الطارئة المحلية التي اضطرت أجدادنا البعيدين إلى الالتجاء للغابات ليحتموا بها ويقتاتوا بثمارها أدت إلى نمو اليدين أثر استعمالهما في تسلق الأشجار والقبض على فروعها. ومن القواعد المقررة في علم الحيوان أن جميع الحيوانات والطيور التي تعيش على الأشجار يقابل بعض أصابعها البعض الآخر للقبض على الفروع والأغصان. وهذا ما حدث للإنسان وللقرود وباقي مرتبة الحيوانات الرئيسية وقد سميت هكذا من باب التفخيم والتعظيم لأن من بينها النوع الإنساني.

ولقد توسع الإنسان في استعمال يديه بعد ذلك بالقبض على مختلف الأشياء ورفعها وفحصها ونقلها وكسرها وتقطيعها وتهيئتها لأغراضه المختلفة فخف العمل إلى حد كبير عن الفكين اللذين كانا يقومان بجميع تلك الأعمال ولهذا تقلصا وصغر حجمهما في الإنسان

<<  <  ج:
ص:  >  >>