إلى الشكل الذي هما عليه الآن بعد أن كانا على درجة كبيرة من الضخامة وممتدين إلى الأمام، وكانت تحركهما عضلات قوية تصل إلى قمة الرأس من كل ناحية فتلتف حول الجمجمة وتقيدها وتحول دون نموها ونمو ما تحتويه وهو المخ مركز التفكير واداته. وقد صغر حجم الفكين في البشر أكثر منه في القرود العليا الأخرى لأسباب محلية خاصة طرأت مصادفةً على الفريق الذي تحوّل شيئاً فشيئاً إلى النوع الإنساني.
وكان من نتيجة تقليص الفكين في الإنسان بعد أن صارا قاصرين على مضغ الطعام أن قل بالتبعية شأن العضلات المحركة لها وصغر حجمها وصارت لا تصل إلا إلى أعلى الخدين بالقرب من الأذنين فتحررت الجمجمة من قيودها وتخلصت من ضغطها وخلا لها الجو فنمت ونما معها ما بداخلها وهو المخ نمواً كبيراً وهذا هو السر في تفوق الإنسان العقلي العظيم.
وترتب أيضاً على نمو اليدين واستخدامهما في كافة أعمال الحياة أن زالت الحاجة إلى الذيل فضمر وزال بعدم الاستعمال في الإنسان وفي القرود العليا (الغورلا، والشامبنزيه، والأورنجوتان والجيبون).
غير أن الذيل يظهر في أجنتها بما فيها النوع الإنساني في أول أطوار تكوينها ثم لا يلبث حتى يضمر ويزول جرياً على نواميس الوراثة الطبيعية لأن من القواعد المقررة في علم تكوين الجنين أن كل فرد يمر وهو جنين بجميع الأطوار التي مر بها نوعه في الأزمنة الغابرة. وهو ما يعبرون عنه بقولهم:(إن تطور جنين الفرد يلخص تطور نوعه) - وهذا دليل من الأدلة المختلفة على صحة ناموس التطور والتسلسل - وما زالت في الإنسان وفي القرود العليا المشار إليها بقية أثرية من الذيل وهي عبارة عن بضع فقرات ضامرة ملتحم بعضها ببعض في آخر السلسلة الفقرية ويسمونها:
ومن نتائج نمو اليدين أيضاً أن صغر حجم الأسنان لعدم استعمالها إلا في مضغ الطعام، وخاصة الأسنان الأمامية: الأنياب والأسنان القاطعة فصار المجال أوسع أمام الشفتين، وكانتا في الوقت نفسه قد ترهفتا - نتيجة صغر حجم الفكين - إلى أن تحولتا (الشفتان) شيئاً فشيئاً إلى أداة صالحة للابتسام والنطق
وخلاصة القول إننا مدينون بنمو مخنا وعقلنا، وتفوقنا على باقي الحيوانات الأخرى،