أما النحو الأول فهو صناعة التمثيل، وزعيم مدرستها في مصر الأستاذ جورج أبيض. والواحد من أبناء هذه المدرسة يتلقف الدور الذي يعهد إليه بتمثيله، فينكفئ على جمله وعباراته يدرسها جملة جملة وعبارة عبارة، ويرى أي شيء يقصد إليه المؤلف من كتابة هذه الجملة أو هذه العبارة. فإذا كان المراد بها استفهاماً عرف الممثل الصناع هذا الغرض، وأدرك أن هذه الجملة أو هذه العبارة يجب أن تلقى كما يلقي الإنسان سؤالاً يُشعر بإلقائه سامعه بأنه ينتظر منه الجواب. فإذا كان المراد بالجملة أو العبارة إظهار الشكوى والتوجع أَنَّ وهو يلقيها وأرسل صوته متهدجاً متقطعاً. وإذا كان المراد بالجملة أو بالعبارة إعلان الثورة والغضب استلزم تمثيلها عند هذا الممثل أن يصرخ فيها وأن يزعق، وأن يشير بيديه - إذا أحب - إشارات تتفق في معناها ومعنى الغضب والثورة الذي يعلنه بعبارته أو جملته
وهذا أسلوب في التمثيل كان الفرنسيون يصطنعونه حتى السنوات الأولى من هذا القرن وهي السنوات التي أدرك فيها الأستاذ جورج أبيض أستاذه (سيلفان) الذي تعلم التمثيل على يديه في البعثة التي أوفده فيها الخديو عباس، وهذا الأسلوب فيه عيب هو أخطر العيوب التي ينكب بها فن من الفنون وهو التكلف، ذلك أنك لا تستطيع أن تشاهد ممثلاً يمثل بهذه الطريقة وتستطيع أن تنسى أنك تشاهد تمثيلاً، فأنت تلحظ - مهما تناوم حسك - أن كل كلمة مما يلقى أمامك قد درست حروفها حرفاً حرفاً، فلا حرف من حروفها يخرج من بين شفتي ملقيها إلا بعناية مبذولة، ولا جملة ترسل من فيه إلا بتنغيم وتلحين يصرخ في أذنيك بأنه لم يرد عبثاً وبأنه يراد به أن يحوز إعجابك، إعجابك أنت أيها المتفرج! وهذا شيء تزورُّ عنه الطبيعة ولا ترضاه. فليس في الدنيا ناس يكلم بعضهم بعضاً مثلما يكلم أفراد هذا