الفريق من الممثلين بعضهم بعضاً وهم واقفون على خشبة المسرح. فهو تمثيل أجدر به أن يقضي الإنسان أمامه الساعات يشاهده و (يتفرج عليه) ولكنه لا يساهم فيه بعواطفه وشعوره، ولا يشارك فيه ممثليه بوجدانه ولإحساسه. . وكيف يصدقهم وهو يذكرونه في كل كلمة من كلماتهم بأنهم ممثلون، وبأن هذا الكلام الذي يسمعه رواية تخيلها كاتب من الكتاب، وأن هذا المقعد الذي يجلس عليه فوتيل ممتاز أجره في السواريه عشرون قرشاً يضاف إليها قرشان ضريبة على لهوه وعبثه!
وهذا هو ما حدا بي أن أسمي هذا النوع من التمثيل صناعة التمثيل، وهو ضرب من التمثيل يستطيعه الموهوب كما يستطيعه غير الموهوب لأنه لا يحتاج في إتقانه إلا إلى تدريب صوتي تتم بتمامه الصنعة، ويقعد بعد تمامها الفن الصادق محزوناً محسوراً
أما النحو الآخر الذي نحصيه للتمثيل فهو هذا الضرب الذي لا يعبأ بالصنعة، والذي لا يعبأ بالصوت، والذي لا يهتم كثيراً بمخارج الحروف، والذي لا هم له في هذه الناحية الصناعية إلا أن يكون الصوت واضحاً مسموعاً مفهوماً؛ ولكنه يتطلب قبل هذا من الممثل أن يكون قد وهب نفسه وروحه وبصره وسمعه وإحساسه وكل قوة من قواه للتمثيل، لا مختاراً، فلا سبيل للاختيار في المواهب، بل مفطوراً مطبوعاً. فإذا لم يكن الله قد خلق الممثل ممثلا فإنه لن يستطيع أن يبلغ من المجد الفني إلا مثلما بلغه الأستاذ الكبير جورج أبيض: دراسة وإلقاء
فالممثل الصحيح هو هذا الذي يشب وهو يراقب الناس فرداً فرداً ويدرس أشخاصهم كاملة لا ممزقة؛ فهو لا يعني بأصواتهم واهتزازتها المختلفة في أصواتهم النفسية المختلفة من تساؤل وغضب وفرح وحزن، وإنما هو يتوغل في نفوسهم إلى ما هو أعمق من هذا؛ فهو ينفذ بروحه إلى حيث مكامن العواطف والانفعالات في نفوسهم، فيتعرف الأسلوب الذي تجرى عليه نفوسهم في تفهم الأشياء وفي الإحساس بالمؤثرات المتباينة. ويجب أن يكون هو نفسه إلى جانب هذه الدراسة التي لا تتاح لكل إنسان صافي الروح سهل الوجه صريح الملامح والقسمات بحيث ينضج وجهه وصوته عفواً بما ينتاب نفسه من المؤثرات. فإذا اكتمل له هذان العاملان أمكن في غير تحرج أن نقول إنه ممثل كامل. ويقف نجيب الريحاني في الصف الأول من هذا النوع من الممثلين المصريين الذين نذكر منهم مختار