للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[على هامش الأبحاث النفسية والفلسفية]

الفصل بين القيم الذاتية

ظاهرة من ظواهر الرقي

للدكتور محمد البهي

كما أن من ظواهر المدنية والحضارة في سياسة الأمة الفصل بين السلطات المختلفة، كذلك من ظواهرهما في وزن الأعمال وتقدير الإنتاج الفردي (الفصل بين القيم الذاتية)، لأن الثقافة تنوعت تبعاً لتنوع الحياة، واصبح لكل نوع من أنواعها قيمته الخاصة لأنه يؤدي غرضاً في الحياة بعينه لا يعوض من طريق آخر.

والنظرة إلى إنسان اليوم غيرها إلى إنسان الأمس، أو يجب أن تكون غيرها، لأن له واجباً في الحياة، وعليه تبعة نحو المجتمع، وله قيمة في أية ناحية من نواحيها. فالشعبي والأرستقراطي سواء في القيام بالتكاليف العامة، وفي استحقاق التقدير على أداء الواجب المكلف به. إلا أن بعض القيم، قد يختلف لا من حيث ذاته، وإنما من حيث نظرة المجتمع إلى ناحية من نواحي الحياة التي تتصل به.

فقيمة الفرد قد تكون في علمه، فهو صاحب قيمة علمية؛ وقد تكون في فنه، فهو صاحب قيمة فنية؛ وقد تكون في سلوكه، فهو صاحب قيمة خلقية؛ وقد تكون في موهبته الاقتصادية، فهو صاحب قيمة اقتصادية؛ وقد تكون في إصلاحه، فهو صاحب قيمة إصلاحية. . . وهلم جرا. وكلها متساوية في ذاتها إلا أن المجتمع وما يسود فيه من نظرة إلى الحياة هو الذي يخص بعضها بالتفضيل. فإذا كان المجتمع مثلاً متشعباً بفكرة الإنسانية كان اتجاه تقديره إلى الصفة العلمية. وإذا كان متديناً أو يغلب عليه إقحام الدين والعادات والتقاليد في آرائه كانت نظرته الأولى في التقويم إلى الصفة الخلقية. وإذا كان في حاجة ماسة إلى الإصلاح الإداري أو الاجتماعي لم يكد يعرف في حكمه على الإنتاج الفردي غير القيمة السياسية. وهكذا في الناحية الفنية من أدب وموسيقى وتمثيل وتصوير. . . الخ

وعلى الفصل بين هذه القيم والاعتراف باستقلالها الذاتي درجت مدنية القرن العشرين، وقام التهذيب الحديث، وتأسس الإصلاح الاجتماعي

<<  <  ج:
ص:  >  >>