الصخرية، وعواطفهم المتحجرة، تملأها المطامع والغايات، ولا تجد إليها سبيلاً
ولعلك تسأل عن السر في مغاضبة النازية للمسيحية وإرهاقهم لدعاتها، وتنكيلهم بهم أحياناً؛ وعندنا أنه لاكتشاف هذا السر ينبغي أن نقول لك:(فتش عن نيتشه). فحملته الشعواء على دين عيسى، ورميه هذا الدين بالضعف والانحلال الذي أصاب أوربا في زعمه إبان القرن التاسع عشر، كل أولئك حمل دعاة النازية على أن يعملوا كي تقفر جوانب نفوس الألمان من تلك العقيدة التي تدعو للسلام والرحمة وبذلك تجر للضعف والاستسلام وهم شعب الله المختار الذي خلق لسيادة الدنيا في غير ضعف أو تخاذل!
ولا تحسبن الألمان ينكلون ببني إسرائيل اعتقاداً منهم بأنهم سبب نكبتهم وباعث هزيمتهم في الحرب العظمى. فاليهود في نظر نيتشه هم أول من قاموا بثورة العبيد، وهم الذين حاربوا السادة حرباً لا هوادة فيها، وأذَّنوا في الناس بأخلاق العبيد لتكون سبيلهم إلى التسلط على السادة. وكذلك كانوا يوم قاموا في وجه روما. وهكذا فعلوا حين أشاعوا في الناس أخلاق الضعف والحين والعجز والخور تحت أستار الحرية والمساواة!
والآن أرجو أن أقول إن الذي أوحى إليّ بهذا البحث هو الكتاب القيم الممتع الذي وضعه عن (نيتشه) صديق العالم الشاب الأستاذ عبد الرحمن بدوي. وإن أسلوبه الحار الملتهب، وعباراته التي تنبض بالحياة في كل موطن، وإلمامه الشائق بحياة نيتشه ومبادئه وتعاليمه، وتبسيط لمبادئ الفلسفة الجافة حتى تسيغها العقول والنفوس، وطريقته في عرض الآراء وبسطها كل أولئك قد أغراني بأن التهمه التهاماً فأحببت أن أغري الشبان بمشاركتي في هذا المتاع العقلي.