للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أن حياته كلها عواصف وأخطار، بل يبذل له نيتشه النصح أن (يعيش في خطر) فذاك هو المبدأ الذي يكفل له الاحتفاظ بكل مظاهر القوة

ويبشر نيتشه بظهور الإنسان الأعلى. ولكن كيف السبيل إلى ظهوره حتى ينهض بالإنسانية من كبوتها، ويقيل العالم من عثاره. السبيل أن يؤمن الناس بالأرستقراطية والتميز، ويكفروا بالديمقراطية والمساواة! فبين الكيف والكم خصومة عنيفة. فأما الأول فينادي بالتفرقة وينكر المساواة، ويؤمن بالفرد ولا يعنيه شيء من المجموع باعتباره مجموع وحدات متساوية، فالكومة المكدسة من الرمال لا تساوي كلها مما تساويه حبة رمل واحدة. فأما الكم فكل شيء عنده سواء، يريد أن يخرج الناس جميعاً في صورة واحدة، ويطبق عليهم مقياساً واحداً. فصيحته (المساواة! المساواة) وشعاره (نحن جميعاً متساوون! وليس هناك أناس أعلى من أناس!) وترى أصحاب الكم يتحدثون عن (الأغلبية) و (المجموع) و (أكبر عدد ممكن) حتى انحطت الحياة في جميع مظاهرها إذ أصبحت السيادة والسلطان للدهماء على أصحاب الرؤوس المفكرة والشخصيات الخصبة الممتازة

فأي عجب وتلك تعاليم نيتشه التي تشبع بها جماعة النازي، أن نسمع كبيرهم أدولف هتلر يقول عن أعضاء مجلس الرايشستاج: (لست أدري كيف يعهد بإدارة السياسة العليا للدولة لقطيع من الخراف رؤوسها خاوية)

بل كيف نعجب من إشعالهم الحرب الحاضرة والتهامهم الشعوب، إذا كان أستاذهم نيتشه ينادي بأن الإنسان الأعلى رجل نضال دائم من أجل السيطرة والغزو والظفر، لا يعنيه إلا أن يسير نحو الغاية التي رسمها لنفسه، وأن أبغض شيء إليه السلام، والحرب عنده أقدس شيء

وإذا أنت اطلعت على رأي نيتشه في القيم الأخلاقية لم تدهش لتصرفات بني قومه في أي بلد اجتاحوه. فعنده أن الضعيف يسمى العجزة (إحساناً وطيبة) ويسمي عدم الانتقام والأخذ بالثأر: (صبراً) ويسمى حاجته إلى الآخرين وقصوره عن الاعتماد على نفسه: (رحمة) ويسمي عجزه عن إدراك المطامع السامية والغايات العالية: (تواضعاً). فأما الأقوياء فيسمون الأشياء بأسمائها ولا يبتغون إلا الظفر والانتصار وتحطيم كل من يقف في سبيل تحقيق آمالهم السامية في الحياة غير حافلين بدموع تسكب، أو دماء تسفك، لأن قلوبهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>