الذي أجج تلك الروح إنما هو داعية دين القوة، والمبشر بالإنسان الأعلى، فريدرش نيتشه
لقد تروعك مبادئه وتعاليمه، بل لقد تهولك قسوته وعنفه، ولكن لا مفر من إجالة الفكر قي تلك التعاليم والمبادئ إن كنت تبغي مواجهة الحقائق مهما كانت قاسية وأليمة، وكنت تريد أن تعلم من هو موقد نيران الحرب الحاضرة، ومشعل الحرب العالمية من قبل
يذهب نيتشه إلى أن من أقوى الدلائل على الخور والاستسلام الذي أصاب المدنية في القرن التاسع عشر، وتفشي بين صفوف أبناء الغرب، تحصنهم خلف ما يسمونه السلام الدائم، وتذرعهم بما يدعونه الإنسانية التي هي أنشودة الضعفاء، ورمز الانحلال، وعنوان الاضمحلال؛ لأن الحرب الدائمة، على ما فيها من الكوارث وويلات هي الحالة الضرورية لنهضة الأفراد والشعوب.
ويذهب الفيلسوف الهدام إلى الغريزة التي تسير الإنسان وتطبع كافة تصرفاته، إنما هي غريزة حب السيطرة، وإرادة القوة. وعنده أن الخير هو كل ما يعلو في الإنسان بشعور القوة وإرادة القوة، والقوة نفسها؛ وأن الشر كل ما يصدر عن الضعف، وأن السعادة في الشعور بأن القوة تنمو وتزيد، وأن لا رضى، بل قوة أكثر وأكثر، ولا سلام مطلقاً بل حرباً، ولا فضيلة بل مهارة، وأن الضعفاء العجزة يجب أن يفنوا، وأن هذا هو أول مبدأ من مبادئ حبنا للإنسانية، وأن أشد الرذائل ضرراً إنما هي الشفقة على الضعفاء العاجزين.
وينادي نيتشه بأن مذهب دارون في (تنازع البقاء) مذهب بالطل، فليست الحياة تنازع البقاء، وإنما هي تنازع القوة وتنازع القوة وتنازع السيطرة. وما تاريخ الإنسانية إلا سلسة متصلة الحلقات من تنازع السلطان والغلبة والقوة بين السادة وبين العبيد. فأما العبيد فيخترعون قيماً أخلاقية لا غاية لهم منها إلا إخضاع السادة لهم عن طريقها، وإن هي إلا أسلحة مسمومة يستخدمونها رجاء أن يتحرروا من نير سادتهم، ثم الطمع في السيطرة عليهم بمجرد زوال سلطانهم
ويذهب ذاك الذي لا يؤمن بالقوة إلى أن الضعيف يريد السلام والوفاق والحرية والمساواة، لا يبتغي من الدنيا شيئاً إلا الاحتفاظ بالبقاء. ولكن القوي يؤثر أن يخوض غمار المشكلات، ويواجه العواصف والأهوال غير وجل ولا هياب، ويشرئب بآماله إلى تسنم الذروة، وبلوغ العظيم من الأمور. الضعيف لا يرضى أن يخاطر بشيء، فأما القوي فيغامر بكل شيء، إذ