للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الشعر والحياة]

(مهداة إلى الأستاذ الشاعر الكبير الأستاذ محمود غنيم)

للأستاذ أحمد مصطفى حافظ

يقول الرافعي الخالد: (لو سئلت أزمان الدنيا كيف فهم أهلها معاني الحياة السامية، كيف رأوها في آثار الألوهية عليها، لقدم كل جيل في الجواب على ذلك معاني الدين ومعاني الشعر. وليست الفكرة شعراً إذا جاءت كما هي في العلم والمعرفة، فهي في ذلك علم وفلسفة، وإنما الشعر في تصوير خصائص الجمال الكامنة في هذه الفكرة على دقة ولطافة. . كما تتحول في ذهن الشاعر الذي يلونها بعمل نفسه ويتناولها من ناحية أسرارها.

فالأفكار مما تعانيه الأذهان كلها، ويتواطأ فيه قلب كل إنسان ولسانه. . بيد أن فن الشاعر هو فن خصائصها الجميلة المؤثرة، وكأن الخيال الشعري نحله من النحل، تلم الأشياء لتبدع فيها المادة الحلوة للذوق والشعور، والأشياء باقية بعد كما هي لم يغيرها الخيال، وجاء بما لا تحسبه منها وهذه وحدها هي الشاعرية. .)

ويقول الزيات الفنان (الفكر والخيال والعاطفة هن ملكات النفس الأدبية الثلاث، يصدر عنهن فيض القريحة، ويرد إليهن إلهام العبقرية؛ لا يهيمن عليه إلا الخيال والعاطفة؛ أما حاجته إلى الفكر فمحدودة بمقدار فما يضيء لهما الطريق حتى يأمنا الضلالة.

فالفكر للعبقرية بمثابة العين، والخيال والعاطفة لهما بمثابة الجناحين، فإذا تغلبا عليه كان الشرود والزيغ، وإن تغلب عليهما كان الجفاف والعقم. ومن هنا جردوا أكثر ما قال أبو العلاء وأقل ما نظم أبو الطيب من الشاعرية).

وآراء أستاذي الجليلين المتقدمة هي لب ما هدف إلى التعبير عنه هذا الموضوع الذي لا أحب أن أحداً غير ابني بجدتها - الرافعي والزيات - قد استطاع أن يشبع نهمي وتحرقي إلى قراءة قول شاف واف فيه.

فالشعر تعبير ذاتي ممتاز، مثل شاذة القاعدة والقانون تعبير غير مطرد، عارض غير مستديم.

وقد يعترض معترض على ذاتية الشعر، فنقول إن ذاتية الشعر ليست ذاتية خالصة، فإن فيها طرفاً من الموضوعية. . فكون الشعر خاصاً لا يمنعه أن يأخذ صفة العموم يوصفه

<<  <  ج:
ص:  >  >>