قرأنا في أخبار الحرب الأهلية الأسبانية غير مرة أن القنابل ألقيت على غرناطة وقرطبة ومالقة. ونحن نعرف أن الأندلس تقع منذ بدء الحرب الأهلية في يد القوات الثائرة وأن حكومة مدريد تحاول تطويقها من البر والبحر، وترسل قواتها الجوية لضرب قواعدها بالقنابل من آن لآخر؛ وقد كانت غرناطة وقرطبة في الآونة الأخيرة هدفاً لتلك الهجمات الجوية؛ وقد قرأنا في روعة وجزع أن القنابل أصابت قصر الحمراء وأتلفت بعض نواحيه؛ فإذا صح هذا الخبر كنا أمام حادث بربري، وأمام كارثة حقيقية تنزل بتراث العرب والإسلام في أسبانيا. إن قوانين الحرب في كل عصر ودولة تنص على احترام الذخائر الأثرية، مهما كان في خطورة المعارك الأهلية الدائرة في أسبانيا وروعتها فإن الإقدام على تخريب المعاهد الأثرية سواء من هذا الفريق أو ذاك يعتبر عملاً بربرياً لا تبرره أية غاية. وقد منيت الآثار الإسلامية في أسبانيا بسبب التعصب والإهمال خلال القرون بكثير من التلف، فتركت كنوز المحفوظات العربية في الأسكوريال لتلتهمها النيران، وأضحت لا تجاوز ألفاً وثمانمائة بعد أن كانت حتى القرن السابع عشر تربي على عشرة آلاف؛ وحولت معظم المساجد الإسلامية الجامعة وفي مقدمتها مسجد قرطبة إلى كنائس وشوهت بذلك معالمها وخواصها الفنية؛ وهدم قسم من قصر الحمراء ليبنى مكانه قصر صيفي للإمبراطور شارلكان؛ ولم تبق يد التعصب والجهل إلا على بقية ضئيلة من النقوش واللوحات الأثرية. وهذه البقية الباقية من تراث الإسلام والعرب في مدريد وغرناطة وقرطبة ومالقة تعرض اليوم للتخريب والفناء الأخير. وليس بعيداً أن نقرأ اليوم أو غداً أن قنابل الثوار سقطت على قصر الأسكوريال وأحرقته بما فيه من المخطوطات العربية، أو أن قنابل القوات الحكومية ألقيت من جديد على قرطبة فهدمت مسجدها الجامع، أو على غرناطة فهدمت قصر الحمراء؛ ذلك أن الحرب الأهلية الأسبانية تدور بلا شفقة ولا رحمة لا بالناس ولا بالأشياء. وإنه ليحسن في مثل هذه الظروف الدقيقة أن ترفع الحكومات والهيئات الإسلامية صوتها للمطالبة باحترام التراث الإسلامي في أسبانيا وحمايته من الغارات الخطرة؛ فحق الأمم الإسلامية كلها متعلق بهذا التراث، وفي اعتقادنا