استهل القرن السابع الهجري (وذلك في أوائل القرن الثالث عشر الميلادي) وقد ترامى إلى القاهرة نبأ النضال الدموي الذي ثار في الشرق فيما بين نهري سيحون وجيحون بين جنود التتار وبين جنود الملك محمد خوارزم شاه؛ وكان المسلمون إلى ذلك العهد لا يعرفون للتتار دولة ذات خطر، فإنهم إنما كانوا يعرفون قوماً من البدو يعيشون في فيافي الشرق التي تمتد إلى اكناف الصين طالما حاربتهم جيوش المسلمين فلم يجدوا في بلادهم مطمعاً، إذ كان هؤلاء الحفاة كلما أوقع بهم جند الإسلام وقعة لاذوا بكبد الصحراء يضربون فيها ويبعدون فلا يجد قواد المسلمين لهم مدنا ولا ريفاً، ولا يستطيعون أن يقبضوا منهم على ناصية. فإذا القرن السابع الهجري يحمل معه اجتماعا عجيباً لهؤلاء التتار لم يسبق له مثيل إلا في أحوال نادرة، إذ قد نبغ من بينهم الزعيم الداهية (ثيموجين) الذي يعرفه التاريخ باسم (جنكيز خان)، فوحد لهم دولة وأقام لهم ملكا بعد أحداث يطول بنا وصفها لو تعرضنا لذكرها. وما كان لهذا الحدث أن يكون له ذلك الأثر البالغ في تاريخ الإسلام والمدينة لولا ما لابسه من ظروف العصر وما كانت عليه حال الدولة الإسلامية المتاخمة للتتار. فلو كانت الدولة الإسلامية في عصمة هارون أو المأمون، أو لو كانت في قيادة المعتصم أو المتوكل، لما زاد الأمر على قيام دولة تترية تلمع حيناً كما يلمع الشهاب ثم يندثر، فكانت تجتمع لهم كلمة وينبسط لهم سلطان على من في فيافي التركستان وما يليها من الكرج والديلم، ثم تمضي تلك الدولة الناشئة بعد حين كأن لم تكن، ويسدل عليها التاريخ ستاراً كثيفاً، وتحجب ذكراها وراء الكثبان المترامية البعيدة
غير أن مجرى التاريخ في هذه المرة قد اتجه اتجاهاً لا يزال ماثلا في أذهان الإنسانية؛ ومازالت أصداء اجتماع التتار على زعامة جنكيز خان تتردد إلى اليوم في الأقطار جميعها شرقيها وغربيها؛ ومازالت آثار ذلك العهد تنعب فوق أطلال بخارى وسمرقند ومرو، بل مازالت جاثمة فوق بغداد العظيمة يشهد العالم منها إلى اليوم كيف يقوض التخريب أسس المدينة التليدة، وكيف تذهب كنوز القرون ومخلفات الأجيال على يد الهمجية بين عشية وضحاها. وما اتخذ التاريخ ذلك المجرى إلا لسبب واحد، قد يبدو صغيرا ضئيلا لا خطر