له. غير أن أجل حوادث التاريخ طالما نبعت من أمثال هذا السبب الصغير
كان الجزء الشرقي من العالم الإسلامي يئن من حكم طائفة من الأمراء قد وثبوا إلى الحكم وهم أشبه شيء بقطاع الطرق يثبون على غنيمة آمنة في قافلة عزلاء غريرة. وإنك إذا تدبرت الأمر كله في تاريخ الإسلام لم تجد نكبة أصابت المسلمين إلا كانت آتية من مثل هؤلاء الأمراء المفسدين. تراهم وقد حكموا البلاد لكي يبتزوا ثرواتها لا لكي يقوموا بواجب الحكم فيها، وتراهم يبطشون بالناس بطش الأسد بالصيد لا يعاقبون أحداً لأنه أساء، بل لأنه تنفس بكلمة حق، أو فرج عن نفسه بأنة مصدور. وتراهم قد أحاطوا أنفسهم بشراذم من جنود مرتزقة، لا هم لها إلا أن تشترك في الغنيمة، فهي تساعد الطغيان على أن يطغى، وتشترك معه بأن تستعلي في الأرض وتطغى، وهؤلاء الملوك وأولئك الجنود لا حد لاستعلائهم مادامت مسألة الحكم مقصورة على ضبط الرعية العزلاء؛ فإذا ما جد الجد، واحتاج الأمر إلى الحماة كانوا أحرص الناس على الحياة، وأخوفهم من التعرض لبلاء الجهاد ومحنة الجلاد
ولقد كان محمد شاه خوارزم أحد هؤلاء الطغاة المستكبرين الضعفاء. كان أشد الناس بطشاً وأحدهم شوكة في سيرته مع الأفراد والضعفاء، وكان من أحرص الأمراء على الثروة والسلطان مادام لا يعالج إلا شعبه المسكين، فقد سلط عليه طوائف أعوانه فكسروا أنوفه، وخضدوا شوكته، وأذلوا نفوسه؛ وقد أراد القضاء أن يتعدى أذاه إلى طائفة من تجار التتار كانوا قد جاءوا إلى بلاده مسالمين في تجارة فأوقع بهم ونهب متاعهم، فاستجار هؤلاء بصاحبهم، وكان عند ذلك (جنكيز)، فرأى من واجبه أن ينصرهم، فبدأ من ذلك الاصطدام الذي أعقب الدمار والبلاء ببلاد المسلمين
لم يشهد التاريخ مثل ذلك الصراع الذي بدأ عند ذلك بين التتار والمسلمين. فتيار أتىّ من جموع الهمج يصدم هيكل الدولة القديمة المبجلة، فإذا بذلك الهيكل يصدع عند اللمس وينهار بعد قليل. حتى أن التتار أنفسهم ترددوا حيناً ووقفوا مبهوتين لا يكادون يصدقون أنهم قد هدموا ذلك الهيكل الهائل، ولكن الهيكل لم يكن سوى جدار أجوف قد نخره الظلم واستل منه الحياة
لم يثبت الأمراء الطغاة إلا مقدار لطمة قصيرة المدة ثم عرفوا أنهم لا يستطيعون أن