كيف نفهم الأدب القديم، وكيف نتروَّاه، وإلى أي مدى نستفيد منه، وما وسيلتنا إلى ذلك. . .؟
هذه أسئلةٌ كثيراً ما تعرض لي، حين يضمني مجلس إلى بعض المتأدّبين من ناشئتنا الذين يدعون إلى الجديد؛ وإن أعجب ما يلقاك في مثل مجلس هؤلاء، هو الدعوة العريضة، والإنكار الساخر - أو سمَّه الإنكارَ الجاهل - والاعتداد بالنفس في غير مُعتدّ، ثم الحكم الجامع لا نقض فيه ولا استثناء. ما ايسر أن تسمعمن واحد من هؤلاء. (الأدب القديم. . .! وما الأدب القديم؟ وماذا فيه. . .؟) فلا أدب عنده إلا هذا اللغو الذي تنشره له الصحف، أو هذه الرطانة العجماء تحاول أن تستعرب على لسانه؛ ولا إنشاء إلا على مثال برقيات (روتر) و (هافاس)، التي يترجمها (فلان) ويدعو إلى احتذاءها فيما يكتب الأدباء وينشئون. . .!
ولو أنك ذهبت تحاول أن تحمل واحداً من هؤلاء على غير ما يرى في الأدب القديم، أو أن تقنعه بما فيه من حياة وقوة - لأعياك أن تبلغ إليه؛ وأنى لك أن تبلغ وما يعرف أكثر هؤلاء ولا يفهمون من الأدب القديم إلا محفوظات المدارس. . . وما حصلوا من فنون اللغة إلا القليل من قواعد النحو والبلاغة في حجرات التعليم. . .؟ بل لو أنك أردت واحداً من هؤلاء على أن يحقق لفظة في معجم، أو يقرأ سطراً غير مشكوا في كتاب - لكنت كمن يطلب إليهأن ينقل صخرة، أو يحفر بئراً. . .! فمن أين لمثل هذا أن يتذوق ما تجلوه عليه