لاتخافوا، فوالله لا الفرنسيون ولا آل صهيون، ولا دول الأرض كلها تستطيع أن تبيد شعباً عربياً مسلماً، أو تذلّه فتسلبه عزّة نفسه وقوة إيمانه. فجدوا واعملوا، ولا تدحروا وسعاً ولا طاقة، وفتشوا عن القادة، فإنما تنقصنا القيادة، ولكن لا تخافوا على العرب فلسطين أو أفريقية، ولا على مسلمي أندنوسية، فإن (محمداً) قد وضع في دمائهم المصل الواقي من الحور والجبن والتهافت، وصبّ المناعة في أعصابهم صبّا، وعلمهم الصبر على المصائب وإن تتالت، واشدائد وإن تعاقبت، مع العمل على دفع المصائب ورفع الشدائد، فكان الجهاد في سبيل الله، وبذل النفس من أجل الدين والشرف، فطرة في أتباع (محمد)، وخلقة فيهم أو أرادوا الانفكاك عنها ما طاوعتهم قلوبهم!
ألا ترون إليهم كم غامروا وجاهدوا واحتملوا من الأذى، ثم هاهم أولاء يدعون إلى الجهاد نزْلة أخرى فيمسحون الدموع، ويربطون على الجروح، ويقومون من القبور، ويثبون مع الداعي يأخذون الطعام من أفواه بناتهم، والكسى من نحور صبيانهم، ليبيعوها فيشتروا البندقية ويمشوا إلى الجهاد!
أولئك هم الأبطال حقاً، لا أعني الزعماء الذين يملأون بطونهم من الطيبات، ويمضون إلى الحفلات بالسيارات، ثم يقومون إلى المنبر لا يطيقون الوقوف من التخمة، فيخطّبون بصوت متقطع ألأنفاس من البَشَم لا من الحماس. . . يصرخون: نحن المجاهدون، نحن الذين فعلوا والذين يفعلون. . . ثم يروحون إلى دارهم فينامون وهم يحلمون بالمجد المؤثّل الذي شادته لهم خطبهم في الهواء!
ولا السياسيين الذين لا يعرفون من الوطنية إلا أنها أقرب الطرق إلى الكراسي، فإن جاءت من قبل الشعب، فهم من الشعب وإلى الشعب، وإن لم تجىء إلا من الفرنسيس والإنكليز، فما هم غرباء عن الإنكليز ولا عن الفرنسيس!