ولا التجار الفجار الذين يعبدون الدرهم والدينار، والذين أجاءونا في هذه الحرب وعرّونا، لييريقوا ما سرقوه من ثمن خبزنا وكسوتنا على قدمي كل بغى، وزلفى إلى كل شيطان، فهؤلاء جميعاً ليسوا منا، وإنا منهم لُبرءَاء!
وإنما أعنى هذا الشعب الذي ثار في غوطة دمشق، وميادين القاهرة، وسهول العراق، وصحارى طرابلس والجزائر، ورحاب الريف الأقصى، وثار في فلسطين من ديار الشام، فأترع الدنيا بطولة ونبلا. . .
هذا الشعب الذي خرج منه حارس أميّ من حراس الليل إلى غوطة دمشق، فوقف على نهر ثورا، وما نهر ثورا؟ جدول عرضه سبعة أمتار. . . ووقف جيش فرنسا في الشرق على الضفة الأخرى، وبينهما جسر، وما معه إلا فئة من الثوّار، فلم يستطع جيش فرنسا وقائده الجنرال اجتياز هذا الجسر إلا بعد ما مات الحارس الدمشقي، حسن الخراط، بعد ثمانية عشر شهراً كلها وقائع داميات ومعارك حاميات، ولقد ردّ حسن وأصحابه الجيش الفرنسي مرّةً حتى ألجأوه إلى دمشق، ثم حاربوه في شوارعها حتى أخرجوه منها إلى المزّة، ولبثوا في دمشق ثلاثة أيام وما فيها فرنسي واحد.
هذا الشعب الذي فرّ ضابط من ضباطه من بغداد مع ستين جندياً، إلى الصحراء التي قطعها (خالد) من قبل والعدوّ من أمامه، والعدو من ورائه، والعدو من فوقه، ولو وقفت عليه سيارة، أو كشفته طيارة، لذهب بدداً، فقطع الصحراء، ثم بلغ فلسطين، ثم قاد الثورة فيها، فظفر كما ظفر خالد بالروم، وقذف الله به الرعب في قلوب الجند، فكانوا يرتجفون هلعاً، وينهزمون فزعاً إذا قيل:(فوزي القاوقجى)!
هذا الشعب الذي كان يحارب ضابطاً آخر من ضباطه مع فئات من أتباعه، جيشان أوربيان جيش فرنسي فيه مائة ألف، وجيش أسباني فيه مائة وخمسون ألفاً، هؤلاء كلهم يكافئون في الميزان الأمير المسلم عبد الكريم بطل الريف.
هذا الشعب الذي قابلت حفنة منه مفلولة السلاح، قليلة العتاد، إنكلترا ذات الحول والطول، ومالكة خمس العالم، وثبتت في وجهها سنتين اثنين، لا يوماً ولا يومين، وأرتها من قوة الإيمان العجب العجاب:
بين يدى الآن عدد قديم من جريدة (بيروت) صادر سنة ١٩٣٧، أفتحبون أن ألخص لكم