(التقى في (حيفا) نفر من المسلمين المجاهدين في سبيل الله، وفرقة آليّة من الجيش البرطاني، ودارت رحى الحرب، فهجم المجاهدون على الدبابات والمصفحات، فكان إيمانهم أمضى من نارها وأقوى من حديدها، فنفذ منها إلى قلوب من فيها، فلم تغن عنهم صفائحهم ولابارودهم شيئاً، وَأعان الله عليهم حزبه بالرعب، فانهزموا، وهربت مصفحة. . . فطار على وجهها، لا تلوي على شيء، إلي. . . أتدرون إلى أين؟ إلى عكا. . . إلى صور. . . إلى صيدا. . . إلى بيروت. . . إلى طرابلس - إي والله - ولولا أن الأخبار سبقتها إليها حملتها الأسلاك، فقطعوا عليها الطريق بالحجارة، ووقفوها، لولْت منهزمةً إلى بريطانيا!)
هذا الشعب الذي أدهش أهل الدنيا بفتوحاته غابر الدهر، وأدهشهم بثوراته حاضره، وسيدهشهم في مستقبله ويدعهم مفتوحة أفواههم من عظم ما يرون، حين يثب الوثبة الكبرى، التي يعود بها كما بدأ شعباً واحداً، يعبد رباً واحداً، ويتبع الكتاب قانوناً واحداً، لا تعجبوا فتقولوا: أين السبيل إلى الاتحاد الإسلامي؟! فهذه إنكلترا لها خمس الأرض، قد تفرقت بلادها في أرجائها، ثم إن لها ملكاً واحداً وراية ورابطة، أفنعجز أن نوجد للمسلمين نظاماً جديداً مبتكراً، يجمع متفرقهم، ويدني بعيدهم، ويصلحهم ويصلح لهم؟!
وليس الذي انتصر حسن الخراط، ولا فوزي القاوقجي، ولا عبد الكريم، لأنه لا يعقل أن يغلب أفرادُ دولةً، ولكن الذي انتصر هو الإسلام، ولو ثار هؤلاء لغيره ما صنعوا شيئاً، إذا يُتركون لقوتهم وذكائهم وعلمهم، وأعدائهم أشد قوة وأحد ذكاء، وأكثر علما. الإسلام أعجوبة الدهر الباقية، معجزة كل عصر، فيا أيها الأغبياء الذين يجرؤون على قياس الإسلام بنزوات هتلر، وخيالات لينين، وحماقات كل متسلط على العقول أو البلدان، يحسب لجهاه أنه يشرع ديناً ويضع شريعة، إنكم لفي ضلال مبين، أين الهتلرية؟ لقد ذهبت به هزيمة واحدة، وهزيمة مثلها تذهب بباقي الحماقات التي حسبتموها أدياناً!
أما الإسلام: فهو في ذاته قوة لا يحتاج إلى قوة أتباعه ليؤيدوه بها، بل هو الذي يؤيدهم بقوته فينصرون. ولقد تأخر المسلمون ورجع بهم الزمان القهقري، ولكن الإسلام نفذ من الحجب، ولبث يتقدم. إن المبشرين ينفقون كل سنة القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، ثم لا يأخذون واحداً، حتى يأخذ الإسلام بغير مال ولا عمل تسعة وتسعين. . .