التعبير عن خوالج النفس الإنسانية وتأثراتها بمظاهر الكون المحيطة بها هو غرض الفنون جميعاً ومن بينها الأدب. ولا يرقى الأدب إلى مرتبة الفن السامي حتى يكون ذلك التعبير عن المشاعر النفسية غرضه الوحيد، منزهاً عن كل غرض خارجي أو مطلب مادي؛ فإذا خالطه شيء من ذلك هبط إلى مرتبة الصناعة، ولم يعد له في النفوس ذلك الوقع المطرب الذي تتركه فيها الفنون الجميلة
وقد ظل التعبير الحر الصادق عن نوازع النفس غرض الأدب الإنجليزي الوحيد في أغلب عصوره، فلم يكن غرض الكاتب أو الشاعر مما ينشئ إلا الإفصاح عما يشعر به أو يفكر فيه؛ فزخر الأدب في عصوره المتوالية بألوان الشعور وأشتات الأفكار في مختلف مشاعب الحياة ومتباين حالات النفوس؛ وتناول بالتصوير والتحليل دخائل النفوس وأغوار الطباع وأطوار الأفراد والمجتمعات، ولم يدع فحوله شاردة ولا واردة من نوازعهم وبوادرهم ومشاهداتهم وتأملاتهم إلا أثبتوها في منشآتهم وأبرزوها في روائع الصور
وكذلك كان التعبير الصادق المنزه عن الغرض الخارجي غاية الكثير مما نظمه الشعراء وسطره الكتاب في العربية، وحفل الأدب العربي بالرائع من الحكم والأمثال والدقيق من أوصاف النفس وغرائزها وميولها؛ وأمثلة ذلك أكثر من أن تحصى أو يشار إليها، وإنما نذكر منها الوصايا المنسوبة إلى بعض فحول العربية، كذي الإصبع العدواني وعلي بن أبي طالب، ومنها وصية ابن هراسة لابنه حيث يقول:(إن من الناس ناساً ينقصونك إذا زدتهم، وتهون عليهم إذا أكرمتهم. ليس لرضاهم موضع فتقصده، ولا لسخطهم موقع فتحذره. فإذا عرفت أولئك بأعيانهم، فأبد لهم وجه المودة، وامنعهم موضع الخاصة، ليكون ما أبديت لهم من وجه المودة حاجزاً دون شرهم، وما منعتهم من موضع الخاصة قاطعاً بحرمتهم)
غير أن في الأدب العربي بجانب ذلك آثاراً كثيرة لم يكن التعبير عن خوالج النفس غرضها، ولا الصدق شعارها، فهي لذلك لا ترقى إلى مرتبة الفن الجميل، ولا تؤثر في