لم يكن يدور في الخَلَد، وقد فارقنا هذا البلد، أن الزمان سيُقصينا عنه أربع سنوات فاتت بين هم لا يُنسى، وحذر لا يُحصى، وإشفاق، من مفاجأة إرهاق، بعد ست سنوات قضينا دوراتها في مجمع مصر بين إخوان لا يُنسى أنسهم، ولا يُحصى فضلهم، ولا يُفْرَىَ فَرِيهم
نعم لم ننس ذلك كله، لكنا نسينا قرارات وضعها المجمع، شهدنا مصادرها، ثم غابت عنا مصايرها، وأعمالاً شاركنا الزملاء في غراسها، ثم لم ندر ماذا كان نتاجها، عدا شؤوناً أخرى قام بها المجمع خلال غيابنا كنا بها أجهل، وعن معرفتها أبعد
أقول هذا أيها السادة اعتذراً عن كلمتي التي أنا في صدد إلقائها بين أيديكم؛ فقد جاءت كما يُريد جهلي بما ذكرت، لا كما يريد الواجب، ويقتضيه المقام
لكني مع هذا إذا عجزت عن استخراج موضوع كلمتي من القرارات والمناقشات، فلن أعجز عن استخراجه من موضوع المجمع وأغراضه التي أنشئ من أجلها
يكاد لا يفهم الجمهور من وظائف المجمع إلا أن عليه أن يتتبع الكلمات الدخيلة والأعجمية المتفشية في لغته اليومية، وأن يستبدل ألفاظاً عربية بها، حتى كأن هذا العمل أو هذا الغرض هو كل ما يُرتجى من المجمع. وقد نسوا ما للمجمع من فضل في توفية الأغراض حقها، ولا سيما وضع ألوف الكلمات لِلُغة الدراسة أي لغة العلوم والفنون
لما عاد رئيس وزارتنا السورية دولة سعد الله بك الجابري من مصر زرناه مسلَّمين فكان مما أطرفنا به من أخبار رحلته أنه سأل أحد وزراء مصر عن مجمعهم اللغوي، فأجابه معاليه: يكفي من حسنات مجمعنا أنه زوَّد وزارتي وحدها بنحو ألفي كلمة جديدة يتداول استعمالها الموظفون فيها وفي سائر المصالح التابعة لها
ينسى الجمهور هذا ويتساءلون: ماذا صنعت مجامعنا اللغوية بما تجدد وفشا من الألفاظ الأعجمية خلال هذه الحرب الماضية في سبيلها، والتي ما زلنا نقاسي من عقابيلها؟
ماذا صنع حُماة اللغة، الغُير على سلامتها بكلمات: براشوت، شتوكا، جستابو، كوماندوس، ستراتيجية، ستوديو، برازيت، كورس، وكلها أعجميات؟ وهل أقر المجمع كلمات عربية حديثة الوضع يكثر استعمالها في لغة الراديو والصحافة، ولم تعرفها معاجمنا بمعناها