كيف قاد الربان سفينة المعارف؟ وكيف اجتاز بها مصاخب الأمواج الهوج، في مصادم البحر، بين الرياح الرْعن، والمهاوي السحيقة؟؟
الربان مقضي عليه أن يجهد جهده، فيحسب حساب المد والهواء، بين أفاعيل الماء والسماء، ليهتدي في تعاريج تلك المهاوي بين الضباب والأمواج، إلى ما يبغي من سبيل مأمون العواقب، محقق الثمرات.
وقد جهد وزير المعارف جهده، فحسب حساب المد والهواء، ففكر، ودبر، وأنعم النظر فيما كان، وما يجب أن يكون. واستطاع - في فترة وجيزة - أن يقود سفينة العلم والأدب بيد ربان حكيم حصيف. وهو الوزير الذي لم يتدرج - قبل أن يلي الوزارة - في مراحل الوظائف الحكومية، ولم يعرف من (صناعة الحكم) أو أساليب الحكام، ما عرف غيره من الوزراء الذين لابسو شئون الوظائف في مراحلها العديدة. . . وأثبت أن الحكم ليس (صناعة) تستوجب المران والتمرس، ولكنها تستوجب العقل الراجح والوعي الشامل والأفق الفكري المترامي الأنحاء.
وقد أقبل على وزارة المعارف مفترضاً أن شئون التعليم وشئون رجال العلم والأدب (قضايا) يجب أن تدرس بعقل المدرة المستنير، فجعل لكل قضية من تلك القضايا واجباً في عنقه. وراح يقرأ ويقرأ مئات من الأضابير في مئات المسائل، وما زال حتى وضحت أمامه المعالم، واستوى الطريق، فأخذ يقضي في تلك القضايا - واحدة إثر أخرى - بأحكام قاض عادل متزن. وحالف التوفيق تلك الأحكام، فجاءت موضع الإعجاب والتقدير.
وكانت (قضية الأدباء) أول قضية استهل بها عهد أحكامه العادلة، يوم نظر إليها نظرة وطنية شاملة فرد إلى طائفة منهم حقوقاً كانت ضائعة، وجعل يبحث ويبحث عن حقوق بقية الأدباء ليردها إليهم، ويدفع الظلم عنهم، بقلب وطني شجاع، لا يخشى فيما يراه حقاً لوم اللائمين وتعنت المتزمتين، ويقول في ذلك: إن العلم والأدب لا وطن لهما، ولا حزبية فيهما، وإنه أراد بما فعل أن يوحد الجهود في سبيل العلم والأدب؛ راجياً أن يكون علمه هذا