سان رومانو! كم هو بلد جميل رائع! فيه يدرك الإنسان المعنى الذي تنطوي عليه كلمات فلوبير: هنالك بقاع في العالم يود المرء لجمالها وروعتها لو يضمها إلى صدره ضمة الوجد والحنين. . . بيد أن سان رومانو وا أسفاه تشبه أيضاً ثمرة لذة فواحة لا يجسر امرؤ على تذوقها مخافة الموت الذي يقطر من عصيرها.
ولسوء الحظ لا تستطيع مناظرها الساحرة الخلابة أن تدخل السرور والبهجة على قلب الناس؛ ففي جنبات المدينة تقابلك الوجوه الذاهلة والملامح اليائسة والعيون الحيرى الآسفة. . . وفي كل مكان منها تطالعك كلمات السخط والتبرم: ألا ليتني وضعت على رقم ٧!. . . آه! هذا الأحمر الملعون، لقد كسب عشر مرات متوالية، وبالرغم من ذلك وضعت على الأسود.
ولم يكن في البلد كله من يلقي أدنى التفاته إلى المناظر الساحرة الأخاذة التي تنبت فيه. كانت الأرض عندهم (روليت) ضخمة، والسماء صفحة كتب عليها أرقام ٣٠ و٤٠ و٥٠.
وقد كنت أنا أيضا ضحية هذا البلد الخطير؛ إذ خسرت مبلغا لم يكن جد كبير، غير أنه كان كل ما أملك. وأفقت من نومي ذات صباح كيلا أجد معي سوى اثني عشر فرنكاً مع أني مدين لصاحب المنزل الذي أقيم فيه بخمسة عشر فرنكاً؛ لذلك اختبرت مسدسي فألفيته يزخر بست رصاصات قواتل كانت في ظني كافية لتمزيق رأس فارغ كرأسي. وفتحت نافذتي، كان (صباحي الأخير) رائعاً جميلاً فالسماء زرقاء صافية والأمواج خضراء هادئة والنسيم يسبق بشذى زهر البرتقال والبنفسج.
وغادرت منزلي إلى الشاطئ لأملأ صدري المنفعل بهذا النسيم الفواح. . . بيد أنني كررت عائداً بعد أن سرت قليلاً، إذ أحسست جوعاً شديداً، وفي أثناء عودتي ابتعت صحيفة سان رومانو المحلية، وهي صحيفة مثيرة، مجللة بالسواد كأنها رسالة حزينة.
ورحت أقلب صفحاتها إبان الطعام فاسترعى نظري عنوان (إنتحارات الأسبوع) فجال بخاطري دون أدنى انفعال: هنا سيعلن خبر موتي بعد أيام قلائل) بل وددت لو أشكر سلفاً