كتبت عن عجائب التحصيل والروية والاجتهاد في مسرحية مفرق الطريق، فكان من عجائب الفهم الذود عنها بمثل ما كتبه الأستاذ طليمات. وهو يعتذر عن المؤلف بقوله: إن المعاني والفكر المتداولة أشياء يشترك فيها جميع الناس، وإنما العبرة بطرائق معالجتها، إلى آخر ما كتبه في هذا المعنى. وقد حمدنا للأستاذ هذا الرأي لأنه اعتراف مهذب بما كتبناه عن هذه المسرحية المصنوعة من قصائد الشعراء، لولا حديث عن المذاهب الفلسفية موسوم بطريقة المؤلف وأسلوبه في اللف والدوران، رأيت أن من حق القراء علي ألا أخدعهم به عن الموضوع، وألا أخدع نفسي به عما سقت الدليل القاطع عليه من كلام المؤلف نفسه، وكيف أن مسرحية (تخريمة) في الفلسفات وحشو من عفو التأليف.
فلما تحدث الأستاذ الكاتب عن (كانت) و (برجسن) قلت: إن غاية هذين المذهبين في الفلسفة هي الوصول إلى المعرفة وحقائق الأشياء وما وراء الطبيعة، وإن الخلاف بينهما في الأداة أو الوسيلة، فإذا كانت بصيرة (برجسن) قد عملت عملها في المسرحية كما يقول الأستاذ طليمات، فإن القمة الباردة التي تدور حول فلسفة (كانت) قد عملت عملها الواضح في هذا السبيل، وأبرزت أثرها الملموس حتى طمرت المسرحية بثلوجها. وقلت أيضاً إن بصيرة برجسن تستعين بالعقل وليست ضرباً من الهذيان الذي يضطرب في جوانب المسرحية، ودللت على هذا الخلط فعرضت للمؤلف كلاماً بنصه، فإذا هو مذهب فلسفي آخر، وإذا هذه المذاهب الثلاثة تتلاقى على غير هدى وإتقان، ويقوم إلى جانبه رأي آخر يعتذر فيه الكاتب عن المؤلف في اقتباسه صورة الصراع بين العقل والشعور فيشير إلى ذلك وإلى الصراع بين المادة والروح، ويعرض أسماء بيراندللو وإبسن وشكسبير وراسين؛ فرأينا أن نكتفي بواحد من أولئك الأعلام نضمه إلى كانت وبرجسن والسوليزم إرضاء للأستاذ طليمات وتخريجاً لمنطقه؛ فإذا هذا الخليط العجيب مصدر إزعاج للكاتب، وإذا به يتهمنا بما لم نقله إلا إرضاء له وإعجاباً به وهو يتشبث بما يظن فيه النجاة من هذا المضطرب.