أومن به إيماناً عميقاً بصيراً. . . وأرصده رصداً مستوعباً يطيف به في جميع بقاعه ومختلف أوضاعه، واستوحى نظرة الله إليه ورحمته به تسديده إياه في طريقه إلى مستقبله المجهول. . .
أومن به حتى في هذه الأيام التي ساء الظن به فيها وقبح الرأي بقيمته وكفر هو بنفسه وسخط على حياته، وبدت فيها خبائثه ومكايده وقسوته، وذاق بعضه من بعضه البأس الشديد والشقاء المنكر! وتهددت حياته عوادي فناء صنعها هو على أسلوب الصواعق والزلازل والبراكين وسائر غضبات الطبيعة التي طالما جأر إلى الله بالدعاء والبكاء أن يحفظه منها ويحفظ الأرض بما حملت من مواريث صناعاته وابتكاراته وأمواله وأعماله وعياله من سوء عقباها في التدمير والإبادة. . .
أومن به لأومن بربه. . . فلو طاوعناه على مقتضى قساوته وشقاوته في حياته الراهنة لأنكرنا كل مثل كريم هبط من السماء أو صعد من الأرض. . . ولأخلدنا معه إلى عالم الجحيم الذي فتح أبوابه على نفسه في أكرم البقاع عليها في لندن وبرلين. . .!
وأوصي به الناظرين إلى حاضره في يأس وقنوط وإلى مستقبله في تشاؤم. . . فما ينبغي للذين آمنوا بالمثل العليا، وعرفوا أن الإنسانية كلها مخلوقة لإدراكها أن يزلزلوا عنها ويجحدوها إذا ما أصاب الأرض نكسة إلى جهالة قديمة، وارتداد إلى أعراض السفه الأول. . . بل عليهم أن يرفعوا شعلة تلك المثل وسط احتدام الظلام والظلم حتى يمسك بخيوط نورها من يريد ألا تجرف روحه أمواج الظلمات. . .
وإيماننا بالإنسان هو الذي يوحي إلينا أن نعمل له ونبسط عليه شعور حبنا ونقدم إليه ما نستطيع من خدمة. ولو أنكرناه وكفرنا بقيمته ما بقى لنا شيء في الأرض نلوذ به ونأنس إليه من وحشة الصمت المطلق والسكون المطلق، والبكم والصمم والعمى التي تلف غيره من كائنات لم تدع في الحياة حديثاً مفهوماً عن غايات الحياة. . .
وإنني ما أبصرت شيئاً غيره تَعمُقُ معه الحياة وتتسع وتتركب وبتنوع الإحساس بها. . . ولولاه لكنت صندوقاً أبكم فارغاً إلا من معاني غرائز معطلة وتجارب شهوات قليلاً ما