[غزل العقاد]
للأستاذ سيد قطب
(بقية المقال الثامن عشر)
والآن نستعرض حالة دامية وجيعة، عميقة الألم والفجيعة، يزيدها جرحا وإيلاماً ما يبدو به قائلها من تماسك وتجلد وتجمل.
إنه (يوم الظنون): يوم يقف الإنسان تتجاذبه الدوافع والانفعالات، ويتقاذفه الإقدام والإحجام، وتتراءى له المسارب والطرقات، وهو لا يدري أيها أولى بالاتباع، بل هو لا يملك أن يدري، لأنه مسلوب اللب والإرادة
فإذا وضعت إلى جانب هذه الصورة شخصية العقاد الجبارة، أمكن أن تدرك مدى الألم العاصف، ومبلغ الفاجعة القاصمة:
يومَ الظنون صدعتُ فيك تجلدي ... وحملت فيك الضيم مغلول اليد
وبكيت كالطفل الذليل أنا الذي ... ما لان في صعب الحوادث مِقودي
وغصصت بالماء الذي أعددته ... للري في قفر الحياة المجهد
لاقيت أهوال الشدائد كلها ... حتى طغت فلقيت ما لم أعهد
نارَ الجحيم إليَّ غير ذميمة ... وخذي إليك مصارعي في مرقدي
حيران أنظر في السماء وفي الثرى ... وأذوق طعم الموت غير مُصرَّد
أروَى وأظمأ: عذبُ ما أنا شارب ... في حالتيَّ نقيع سُم الأسود
وأجيل في الليل البهيم خواطري ... لا شارق فيه ولا من مسعد
وتعيدُ لي الذكرات سالف صبوتي ... شوهاء كاشرة كما لم أشهد
مسخت شمائلها وبُدِّل سمتها ... وبدت بوسم في السعير مخلد
يا صبوة الأمس التي سعدت بها ... روحي، وليت شقيها لم يسعد
وعرفت منها وجه أصبحَ ناضرٍ ... ورشفت منها ثغر العس أغيد
سومحتِ بل جوزيتِ كيف وعيت لي ... بالأمس فيك ضراوة الذئب الصدى؟
سومحت بل جوزيت كيف طويت لي ... زرق الأسنة في الإهاب الأملد
أمسيت حربي في الظلام وطالما ... جلّيت لي وجه الظلام المربد