(بنفيتو تشليني من كبار رجال الفن الإيطالي في عهد النهضة، ولد في مدينة فلورنسا عام ١٥٠٠ وتوفي بها عام ١٥٧١ وقد نبغ أولا في صياغة الذهب والفضة صوراً وتماثيلا غاية في الدقة والجمال. وبعد ذلك استطاع النبوغ في صناعة التماثيل من الحجر والبرونز، وقد عاش في روما وباريس حيث دعاه فرانسوا الأول ليعمل عنده، وقضى الشطر الأخير من حياته في وطنه فلورنسا، وله مؤلفات في الفنون التي مارسها، وله كتاب ضمنه مذكرات عن حياته الحافلة بالحوادث وعلى إحدى هذه الحوادث قد بنيت القصة التالية)
الرجوع إلى الباطل، خير من التماديفي الحق. . .
ذلك هو الدرس القاسي الذي ألقاه القضاء الساخر والقدر الجائر على فنان فلورنسا العظيم بنفنيتو، تشليني، في يوم بدأ ضاحكا وانتهى عابسا متجهماً. . .
ذهب الفنان إلى الحجرات الخاصة في قصر دوق فلورنسا، ليشرف على الأعمال الفنية التي كلف القيام بها: من تزويق وتنميق في الجدران والاثاث، وتحلية بالذهب والفضة، ومن نقوش بديعة وتماثيل بارزة. . . ولم يكن في فلورنسا كلها فكر ابرع، ولا يد اقدر من فكر بنفنيتو تشليني ويده، ذلك الرجل الذي لم يكفه أن نبغ في صياغة الذهب والفضة والأحجار الكريمة، فآتى في هذا الضرب من الفنون بالرائع الساحر، بل أراد أن ينافس المثالين والنحاتين في صناعة التماثيل الضخام، ينحتها من الصخر أو يصبها من البرونز. فكان له ما أراد، وبات نابغة زمانه في الصناعتين الدقيقة والجليلة.
وكان يحلو لدوق فلورنسا أن يمر به وهو يتشغل وعماله في الجناح الخاص بقصر الأمير، فيتحدث إليه عن الفن وعن رجاله وأنصاره. ويناقشه في رأي ارتآه الفنان أو خطة أراد رسمها. وكان بنفنيتو حلو النادرة، سريع البادرة، في شئ من غرور النوابغ وغطرسة الواثق بنفسه.
وفي اليوم الذي نحن في صدده، جاء الدوق فتحدث إليه قليلا، ثم عاد لينظر في بعض أمور الدولة. . . وسألت الدوقة عن تشليني، فقيل لها انه جالس وحده يشرف على الأعمال