التي يقوم بها في جناح الأمير الخاص، فلم تمض لحظات حتى كانت الدوقة جالسة تتحدث إلى تشليني وتطري ما قام به من أعمال الزينة في قصر الأمير، ثم أرته عقداً من اللؤلؤ يشتمل على ثمانين لؤلؤة وقالت: أيعجبك هذا العقد؟ قال انه لعقد جميل يا مولاتي! قالت فأني أريد أن يشتريه الدوق لي. فلابد لك أن تقول له ما شئت في مدحه والإشادة بذكره، وان تبالغ في إطرائه ما استطعت إلى ذلك سبيلا. كان تشليني يظن أن الدوقة قد اشترت العقد وقضى الأمر. ولهذا بادر إلى مدحه وإطرائه، أما الآن - واللآلئ لم تشتر بعد - فقد رأى واجبا عليه أن يطلعها على ما يراه فيها من عيوب، ولم يكن في فلورنسا كلها اقدر منه على نقد الجواهر واللآلئ، ولا ابصر بمواضع العيوب منها.
فقال مولاتي! حسبت العقد ملكاً لك فبادرت إلى مدحه فإما وأنت تهمين بشرائه، فإني أرى لزاما علي أن أطلعك على ما به من عيوب بينة تحط من قدر هذه اللآلئ. ومن اجلها لا أستطيع أن أنصحك بالشراء.
قالت: لقد رضي التاجر صاحب هذه البضاعة أن يبيعنا إياها بستة آلاف دينار. ولو لم تكن تلك العيوب الطفيفة التي تذكرها لما رضي بأقل من اثني عشر ألفاً.
فجعل تشليني يبذل النصح الثمين. ويقول للسيدة الكريمة أن هذه اللآلئ لو كانت خالية من كل عيب، وبالغة أقصى غاية الكمال، لما جاز لأحد أن يدفع فيها اكثر من خمسة آلاف. فأما وقد اشتملت على هذه النقائص فأنها لن تساوي نصف هذه القيمة. وفوق هذا كله، فأن اللآلئ ليست كالأحجار الكريمة نفاسة وقيمة. إنما القيم النفيس هو الماس، والياقوت، والزبرجد، والعقيق، والفيروز، هذه هي الأحجار الكريمة التي تزداد على مدى السنينرونقا وبهاء. أما اللآلئ فليست سوى قطع من محار البحر، وعظام السمك، لا تلبث أن تفقد بهجتها ورونقها بعد سنين قلائل! لكن الأميرة كانت صلبة كصلابة الماس، وقد وطنت النفس على حيازة هذا العقد. وفي رأسها عينا امرأة قد بهرهما لمعان اللؤلؤ. فأوحتا إلى قلب المرأة الذي بين جوانحها، فإذا القلب قد اشتهى ذلك العقد، واتخذ لحيازته إرادة لا تثني، ورغبة لا تقبل الجدل، ورأى تشليني انه غدا بين نارين، فأما أن يغضب الأميرة أو يخدع الدوق. . .
فقالت له: هون عليك الامر، فانا الضمينة بأن الدوق لن يمسك بسوء، بل وستنال أجرك