عرَف عزّ المُلك وهو في رفاعة شبابه ونعومة إهابه، وأشرق نور النعيم في وجهه، وهو يتقلب على مفارش الحرير ونضائد الديباج، وضاحَك الحسان النواعم بين ضمائم العشب ولفائف الأزهار، وخلب قلوب الفتيات، فحلمن به كلما طفن في الغدو والرواح بهذا القصر الهادئ حيث يرتع الحب ويرف السعد ويتوهج النضار.
على أنه لم ينعم وا أسفاه طويلاً بالحب والجاه، ولم يذق هنيئاً طعم اللذاذات. . . فقد مات الأب الكهل، فتولى المال على مهل وأصابته جفوةُ الزمان، فعزف عنه الإخوان. . . وأضحى وحيداً في قصره الخالي الكئيب. . .
وكان يعلم أن على بعد مائة فرسخ من قصره أميرة رائعة الجمال فحن صبابة إلى لقياها، وأراد أن تكون معينة له على بؤسه، وشريكة له في عيشه. فأرسل إليها ذات يوم وردة نبتت على قبر أبيه تتفتح مرة في العام فتنشر شذاها فيتضوع في الأجواء ثمانية أيام، يفعم الناس خلالها فينسى الكئيب شجوه والمحزن بلواه. . .!
وكان في روضة الأمير عندليب يردد النشيد المهود في الأسحار فينبه النوَّم ويوقظ الوسنان. فأرسل به إلى الأميرة ليشفع له، فيحظى بالعطف وينال الرضى.
فلما وصلت الصناديق إلى الأميرة، وقد طُلي ظاهرها بالذهب وفوِّق باطنها بالخز، أصابتها هِزّة الفرح فتمايلت طرباً وقالت لوصائفها:
- لئن حسنت الهدية فوالله لأتزوجن المهدي. . .!
وفُتح الصندوق الأول ففاح العبير وسكرت الوصائف وقلن للأميرة:(ما هذا أيتها الأميرة من عبير الورد في الأرض. . . إن هو إلا من عبير الجنان. . .!)