أما الآلة الوترية الوحيدة التي عثر عليها قبل تاريخ الأسر فهي الجنك أو الصنج، وكانت من النوع المنحني، وقد وصفناها قبلاً.
من هذا ومن الرسوم التي عثرنا عليها قبل تاريخ الأسر وبعده يتضح لنا إلى أي مدى وصلت حضارة المصريين في هذا الفن الجميل الذي فرض نفسه فرضاً على جميع المدنيات القديمة حتى رأينا كما قلنا كيف أن فلاسفة اليونان الذي ثقفوا ثقافة مصرية فضلوا الموسيقى المصرية، وعملوا جاهدين مخلصين - على شيوعها وإذاعتها في بلادهم - فكان لهم ما أرادوا فلم يبق ثمة بيت ولا إنسان إلا ودخل طائعاً مختاراً تحت راية الاستعمار المصري (الفني). .!
بل رأينا إلى أي حد بلغت عبقرية المصريين وقدرتهم الخارقة على الخلق والابتكار والوصول إلى صنع آلات إيقاعية ووترية ونفخ في وقت كان العالم كله يسير في ظلمات بعضها فوق بعض حتى هدته مصر بنورها وبثقافتها، وبعبقرية أبنائها الذين بسطوا نفوذهم وسلطانهم وملكهم على الأرض ومن عليها.
هذا كان من ثمانية آلاف سنة قبل الميلاد. . .! أما الآن وقد تدرجت الدنيا في معارج المدنية وسارت الأرض في مسالك النور فقد أصبحنا وكأننا كنا نسير طوال هذا الزمن سيراً عكسياً متخلفين عن كل حركة إصلاح وحياة. . فثقافتنا أصبحت محاكاة، وموسيقانا أصبحت ترديداً للموسيقى الأوربية التي لا توافق ميولنا، ولا تتفق وخوالجنا، وقد وصل عجزنا في هذا إلى درجة أصبح فيها كل من يخلط ويمزج الموسيقى المصرية بالموسيقى الأوربية يسمى مجدداً.
أصبح كل من يضرب الرومبا، والتانجو، والكاريوكا، والفالس. . . الخ يعتقد أنه أتى بما لم تأت به الأوائل والأواخر.
أصبحنا لا نملك إلا الذكريات، ولا نفخر إلا بالذكريات، ولا نعمل ولا نتقدم ولا نسعى إلا اعتماداً على الذكريات. . . وويل لشعب لا يعيش إلا على الذكريات!