مضى الآن أربعة أشهر على نشوب تلك الحرب البربرية التي تضرم إيطاليا نارها في الحبشة باسم الاستعمار والمدنية؛ والحبشة ترد هجمات المعتدين عليها بشجاعة وجلد يثيران إعجاب العالم وعطفه؛ والعدو المغير يتخبط في غمر فادحة من الصعاب والخيبة واليأس، ويرتد شيئاً فشيئاً عن الأرض التي احتلها في البداية دون مقاومة، وظن أن احتلالها مقدمة للظفر الشامل
وقد سنحت لإيطاليا المعتدية أكثر من فرصة للفوز بقسط معقول من أسلاب الفريسة، قبل أن تصطدم بأية مقاومة حقيقية، وقبل أن ينكشف ضعفها وعجزها عن تحقيق أطماعها الفادحة بالقوة القاهرة؛ ولكنها لم تحسن انتهاز الفرصة وذهبت بعيداً في غلوائها وتحديها، ولم تحسن تقدير المقاومة السلبية الدولية التي استطاعت السياسة البريطانية أن تنظمها ضدها على يد عصبة الأمم، والتي أملت تنظيمها على السياسة البريطانية بواعث حيوية خطيرة تتعلق بسلامة الإمبراطورية وتأييد سيادتها في البحر الأبيض المتوسط، وفي وادي النيل وشرق أفريقية؛ بيد أن إيطاليا استطاعت بسياستها العنيفة وما تحمل في ثنيتها من احتمال إضرام نار حرب أوربية، أن تحمل السياستين الفرنسية والبريطانية على وضع مشروع للصلح، يقضي في الواقع على الحبشة بالإعدام كأمة مستقلة، ويحقق لإيطاليا السيادة الفعلية على معظم أراضيها، ويتوج حملتها الاستعمارية بظفر شامل لم تستطع أن تنال منه شيئاً بالحرب؛ ولكن المقاومة الحبشية كانت قد بدأت عندئذ تحدث أثرها في وقف الزحف الإيطالي، وظهر عجز إيطاليا وضعفها جلياً، واستقبل العالم مشروع الصلح بالاستنكار والسخط، ورفضته الحبشة بتاتاً، فلم يلبث أن قضي عليه في مهده؛ وكانت فضيحة دولية حقيقية أصابت هيبة السياسة البريطانية، واضطرت أن تتراجع أمامها بسرعة وأن تعود إلى موقفها الأول
وقد عرضنا من قبل إلى ذلك التطور المدهش في سير الحرب الحبشية، وأشرنا إلى بعض العوامل التي يظن أنها كانت سبباً في تحول السياسة البريطانية؛ ومنها ما يقال من أن مسيو لافال رئيس الوزارة الفرنسية استطاع أن يقنع السير صمويل هور وزير الخارجية