للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ابن حزم الأندلسي]

مجموعة من المواهب والعبقريات

للأستاذ قدري حافظ طوقان

ابن حزم مجموعة من المواهب والعبقريات؛ وزير وابن وزير، ومن أصحاب الجاه الواسع العريض. هذا في ميدان الحياة العامة. أما في المعارف والعلوم فهو فيلسوف لمع في الدين والشعر والأدب والتاريخ.

نشأ في قرطبة في القرن الحادي عشر للميلاد من أسرة قال عنها الفتح بن خاقان: (بنو حزم فتية علم وأدب، وثنية مجد وحسب). وهو من بيت عريق بالمجد حافل بالترف والنعيم. لكن ذلك لم يدم، فقد تنكر له الزمان، وتعرض للنكبات والمصائب، وأصابه الاعتقال والتغريب والإغرام الفادح. لحقه الأذى والكيد من كل جانب، ولم ينعم بالاستقرار والاطمئنان.

انصرف ابن حزم إلى العلم بكل عزائمه، وأخلص له ولم يخلط به مأربا آخر. وهذا ما يميزه عن كثير من الذين يعنون بالعلم والأدب؛ ولم يقف عند هذا الحد، بل (تفرغ لنشره بين الناس فنفع به خلقا كثيرا)؛ ذلك لأنه كان يؤمن بأن للعلم زكاة هي نشره وإذاعته.

نشأ في بداية أمره في جو ساعد على بروز مزاياه النفسية والفكرية، فظهرت عبقريته متعددة النواحي، ونعمق في البحث والدرس فكان المرجع لأعيان الفكر في زمانه والأزمان التي تلت، ومصدرا من المصادر المعتمد عليها التي يستشهد بها رجال الدين والعلماء.

وقد أعترف بفضله وعلمه الأقدمون والمحدثون، فقال عنه أفاضل القدماء: (. . . ابن حزم حامل فنون من حديث وفقه وجدل وما يتعلق بأذيال الأدب مع المشاركة في كثير من أنواع التعليم القديم من المنطق والفلسفة. . .)؛ وقال الذهبي: (ابن حزم رجل من العلماء الكبار فيه أدوات الاجتهاد كاملة)؛ وقال ساعد: (برز ابن حزم على فحول العلماء بالأندلس حتى تفرد دونهم بميزات)؛ وشهد الغزالي بفضله: (وعظم حفظه وسيلان ذهنه). ولقد درس بعض تأليفه المستشرقون ورجال التاريخ أوربا وأمريكا، فأنصفوه بعض الإنصاف واعترفوا بأثره في الفقه والعلوم. قال رينيه بانسيه: (ابن حزم عالم عربي أندلسي، متفنن في علوم جمة، وهوفقيه مشهور ومؤرخ وشاعر مبرز، دقيق الملاحظة، شيق الأسلوب).

<<  <  ج:
ص:  >  >>