وتناول آراءه جولد زيهر وشرينر وإسرائيل فرد ليندر ونيكل وبتروف، فشرحوها وعلقوا عليها وأبانوا أثره في الفقه والمنطق والتاريخ. ويعترف سارطون في كتابه مقدمة لتاريخ العلم بفضل ابن حزم وعلمه فيقول:(ابن حزم افضل عالم في الأندلس، ومن أكبر المفكرين المبتكرين المسلمين فيها).
ترك ابن حزم مؤلفات ضخمة تدل على سعة إطلاعه وغزير علمه وعظيم أدبه؛ وقد (ملأ المغرب بعلمه وكتبه ومذهبه، وشغل أهله طرفا صالحا من حياته أحقابا طوالا، حتى كأنه أمة وحده لا فرد من أمة)؛ أعتز به الأندلس وباهى بفضله العراق الذي كان يومئذ يعج بحضارة ما رأى التاريخ لها مثيلا.
ويتجلى من كتبه ورسائله أنه كان يتمتع بفكر ثاقب وبصيرة نافذة وملاحظة دقيقة؛ فهم الشريعة حق الفهم وأفهمها بإخلاص وصدق للناس. وكان صريحا ومخلصا للحق إلى ابعد الحدود؛ وقد ضاق علماء عصره وحكامه بصراحته وإخلاصه، فأشهروا عليه الحرب العوان، فاحرقوا كتبه واضطهدوه شر اضطهاد، وصبوا عليه النكبات والمتاعب. ويمكن القول أنه (ملأ الأندلس حركة فكرية عنيفة آثارها سلبية وإيجابية، وجعل مجالس العلم وأقطاب الفكر معسكرين أنصارا وخصوما).
ولسنا بحاجة إلى القول بان حيوية ابن حزم لم تنقطع بموته، بل أودعها كتبه وتأليفه فاستمرت تعمل عملها زمنا طويلا. وان المتصفح لأدبه وأسلوبه يجد أن فيهما ثورة على التقليد، فلم يتقيد بأسلوب من تقدموه، ولم يلتمس في أدبه طريقهم، وهو يقول في هذا الشان:(وما مذهبي أن أنضى مطية سواي، ولا أتحلى بحلي مستعار). وهذا (كما يقول الأستاذ سعيد الأفغاني): (السر في تأثير بلاغته وأخذها بمجامع القلوب، ونفاذها إلى أعماق النفوس). ولهذا لا عجب إذا امتاز بأسلوب خاص، وأدب له لونه الخاص، وقد حلق به عاليا فجعله (أديبا عالميا سبق عصره قرونا عديدة).
وابن حزم صاحب رأي مستقل يأخذ بالعقل ويخالف بالعقل، لهذا نراه حارب الخرافات وهاجمها بشدة، حتى أنه استعمل ألفاظا نابية لا يليق بمثله أن يأتي بها مما يعطي فكرة عن شدة ألمه من الأخذ بالأوهام والاعتقاد بالخرافات. كان يدعو إلى الأخذ بالعلم الصحيح والاعتماد على العقل، يتجلى ذلك في كتابه (الفصل في الملل والأهواء والنحل) بشان