النجوم وأثرها في الناس وهل تعقل؟ قال ابن حزم:(زعم قوم أن الملك والنجوم تعقل وإنها ترى وتسمع. . . وهذه دعوة بلا برهان. وصحة الحكم بان النجوم لا تعقل أصلا، وان حركتها أبدا على رتبة واحدة لا تتبدل عنها. وهذه صفة الجماد المدبر الذي لا اختيار له. وليس للنجوم تأثير في أعمالنا، ولا لها عقل تدبرنا به إلا إذا كان المقصود إنها تدبرنا طبيعيا كتدبير الغذاء لنا، وكتدبير الماء والهواء ونحو أثرها في المد والجزر، وكتأثير الشمس في عكس الحر، وتصعيد الرطوبات (التبخير). والنجوم لا تدل على الحوادث المقبلة).
ومن هذه الآراء يتضح أن ابن حزم لا يأخذ رأيا إلا بعد أن يمحصه ويسلط عليه العقل والبرهان، فإن أجازه العقل وأمكن البرهنة عليه اخذ به، وإلا فهو غير مقبول لديه.
وخالف ابن حزم الأقوال التي تشير إلى أن النيل وجيحون ودجلة والفرات تنبع من الجنة، وتهكم على قائليها. وبعد أن فند هذه الأقوال بين أن لهذه الأنهار منابع معروفة في الأرض على ما هو موضح في كتب الجغرافيا.
ولابن حزم آراء علمية ونظريات فلسفية (هي في الطبقة الأولى من القيمة الذاتية الحقيقية) كما يقول الدكتور عمر فروخ.
ومن هذه النظريات الجديرة بالذكر والاعتبار نظرية المعرفة، وقد عقد لها فصلا خاصا في كتابه:(الفصل في الملل والأهواء والنحل). وتتركز الأسئلة في هذه النظرية على ما يلي:
كيف تعرف الأشياء؟ وما نعرف عنها؟ وما الدليل على صحة المعرفة؟ ولقد بحث في هذه النظرية اليونان، لكن بحثهم لم يكن من العمق والسعة بحيث يجعلها كاملة، إلى أن جاء الفيلسوف الألماني (كانت في أواخر القرن الثامن عشر للميلاد، فبحثها بحثا وافيا شاملا جعل مؤرخي الفلسفة الأوربية يقولون: أن الفضل في إيجاد نظرية المعرفة وفي شرحها، يعود أولاً إلى كانت.
ولكن الدكتور عمر فروخ في كتابه عبقرية العرب درس الآراء التي وردت في كتاب ابن حزم وقارنها بما قاله (كانت) فتبين له أن نظرية المعرفة قد عرضت لابن حزم قبل (كانت) بسبعة قرون ونصف القرن.
يرى ابن حزم أن المعرفة تكون (١) بشهادة الحواس - أي بالاختيار لما تقع عليه