[انتصار الحب]
للأستاذ مصطفى صادق الرافعي
كل ما يكتب عن حبيبين، لا يفهم منه بعض ما يفهم من رؤية وجه أحدهما ينظر إلى وجه الآخر.
وما تعرفه العين من العين لا تعرفه بألفاظ، ولكن بأسرار والغليل المتسعّر في دم العاشق، كجنون المجنون يختص برأسه وحده.
وضمة المحب لحبيبه إحساس لا يستعار من صدر آخر، كما لا يستعار المولود لبطن لم يحمله.
وكلمة القبلة التي معناها وضع الفم، لن ينتقل إليها ما تذوقه الشفتان.
ويوم الحب يوم ممدود؛ لا ينتهي في الزمن إلا إذا بدأ يوم السلو في الزمن.
فهل يستطيع الخلق أن يصنعوا حداً يفصل بين وقتين لينتهي أحدهما؟
وهبهم صنعوا السلوان من مادة النصيحة والمنفعة، ومن ألف برهان وبرهان فكيف لهم بالمستحيل، وكيف لهم بوضع السلوان في القلب العاشق؟
وإذا سألت النفس من رقة الحب، فبأي مادة تصنع فيها صلابة الحجر؟
وما هو الحب إلا إظهار الجسم الجميل حاملاً للجسم الآخر كل أسراره، يفهمها وحده فيه وحده؟
وما هو الحب إلا تعلق النفس بالنفس التي لا يملأها غيرها بالإحساس؟
وما هو الحب إلا إشراق النور الذي فيه قوة الحياة كنور الشمس من الشمس وحدها؟
وهل في ذهب الدنيا وملك الدنيا ما يشتري الأسرار، والإحساس، وذلك النور الحي؟
فما هو الحب إلا انه هو الحب؟
ما هو هذا السر في الجمال المعشوق، إلا أن عاشقه يدركه كأنه عقل للعقل؟
وما هو هذا الإدراك إلا انحصار الشعور في جمال متسلط كأنه قلب للقلب؟
وما هو الجمال المتسلط بإنسان على إنسان، إلا ظهور المحبوب كأنه روح للروح؟
ولكن ما هو السر في حب المحبوب دون سواه؟ هنا تقف المسألة وينقطع الجواب.
هنا سر خفي كسر الوحدانية، لأنها وحدانية (أنا وأنت).