كلما أقبل عيد من أعياد الإسلام أو أظل الناس موسم من مواسمه، ذكرت الفقه الإسلامي فجعلت الحديث عنه هديتي إلى العيد، واحتفالي بالموسم، ذلك بأني رأيت الكفاح في هذا العالم مهما تنوعت أشكاله، وتعددت صوره إنما يبدأ من الفكرة: لكل أمة في الحياة شرعة ومنهاج، وكل أمة تكافح لتسمو فكرتها، ويسود منهاجها، وهذا الفقه هو برنامج الإسلام العملي لهذه الحياة، فهو فكرتنا ومنهاجنا، ويجب أن يبتدئ منه كفاحنا، وأن يعتمد عليه جهادنا، وأن تصدر عنه جميع دعوات الإصلاح والتقدم فينا
يجب أن نستقبل هذا الفقه بعناية، وأن نديم النظر فيه، والتأمل في أصوله ومصادره، وأن نخلصه من الشوائب، ونلائم بينه وبين العصر الذي نعيش فيه
يجب أن ندرسه دراسة جيدة تكون الغاية منها تخريج أعلام أئمة ذوي بصر وإدراك وملكات فقهية يرجع إليها في المشكلات، وينتفع بها في المعضلات
الفقه نوعان: فقه الفروع، وفقه الأصول، ولكل منهما كتب تهتم به، وتبحث فيه، ولكن النوع الأول قد فاز بالحظ الأوفر فعكف عليه الناس، وأمعنوا فيه بحثاً ودرساً، واختصاراً وشرحاً، بينما ظل النوع الثاني مهملاً، وظلت كتبه في زوايا المكتبة الإسلامية لا يكاد يشعر بها أحد
والسر في هذا الاهتمام بالنوع الأول، وفي هذا الإهمال للنوع الثاني، يرجع إلى الفكرة القائلة: بأن باب الاجتهاد قد أغلق، وأن عهد المجتهدين قد انقضى فلن يعود. هذه الفكرة هي أصل الداء في كل ما أصاب الفقه الإسلامي، مما أوقف نموه، وأظهره بمظهر الجمود والتخلف ظلماً وزوراً. راجت هذه الفكرة بين أهل العلم فصرفتهم عن فقه الأصول إلى فقه الفروع، فقصروا هممهم على نوع معين من الكتب، ولم يكتفوا بأن يمنحوا هذه الكتب تقديرهم واعترافهم، وأحياناً تقديسهم حتى ساروا في دراسة الفقه على طريقتها شبراً بشبر وذراعاً بذراع: فالفقه في هذه الكتب أبواب بعضها في المعاملات وبعضها في العبادات، وكل باب من هذه الأبواب هو في جملته وتفصيله مجموعة من الأحكام الفرعية تجمعها