وجهت أجدى المجلات الكبيرة في مصر إلى بعض الكتاب هذا السؤال:(إلى أي حد يجب الاقتداء بتركيا في نواحي نهضتها الأخيرة)، فحفزني هذا إلى الكتابة في موضوع تجنبته زمناً طويلاً، لا استهانة به فهو جد خطير، ولكن إشفاقاً مما يثور بالنفس حين تعالجه
- ١ -
الترك العثمانيون إخوان لنا، نشأنا على حبهم، ومنحناهم قلوبنا فتمكن بها ولاؤهم، وشببنا نعدهم على المسلمين الخفاف في زمن تنكست فيه أعلامهم، وجيشهم المجاهد على حين تفرقت الأجناد، وتخاذلن الأعضاد. كنا نعد مفاخرهم مفاخرنا، ومثالبهم مثالبنا، ونرى صلاحهم صلاحنا، وفسادهم فسادنا، ونفرح كما فرحوا، ونبتئس كلما ابتئسوا. وكلما نزلت بهم نازلة نصرناهم جهد العاجز بألسنتنا وأموالنا وأيدينا وسع الأيدي المغلولة، والأعضاد المغلوبة. ولا يزال التاريخ الحديث يدوي بحادثات المدرعة (حميدية)، وحروب طرابلس والبلقان، وقدوم الطيارين العثمانيين إلى مصر، وغير هذا مما يشهد بالحب الصادق، والمودة المخلصة
ولقد نشأت على هذا الحب، لا يطربني إلا ما أطرب الترك، ولا يسوؤني إلا ما ساءهم؛ وفيهم تعلمت الشعر فشدوت به في حروب طرابلس والبلقان، وكتبت في الحرب الأخيرة أعطف عليهم القلوب، وأستحث الهمم على الإمداد بالمال. ولست أمن عليهم بذلك فقد كان فرضاً علي وعلى غيري
ولما قذف جنود الترك الأنجاد بجيش اليونان في البحر كاد الناس في مصر وغير مصر يجن جنونهم فرحاً وزهواً
- ٢ -
ثم وقعت هذه الواقعات التي تسمى (النهضة التركية الأخيرة)، فخاجت من الناس الظنون، وتحطمت الآمال وتصدعت القلوب، ووقفوا وقفة من أصيبت آماله في أخ صميم أو صديق حميم، يراه قد ركب رأسه، واشتط في هواه، يقطع أواصر الأخوة، ويصرم حبال المودة،