لا يستطيع أن يغضي عن سيئاته وهي وخيمة العواقب، ولا تطيب نفسه أن يسمع به ويذيع عيوبه على مسمع من الأعداء
قومي همُ قتلوا أميم أخي ... فإذا رميت يصيبني سهمي
فوقف يلومه حيناً، ويجادل عنه حيناً، ويرد مقالة الخصماء، ويحذر شماتة الأعداء، ويلتمس له المعاذير، ويتربص به الأفاقة من غيه، والإياب إلى رشده، ويدعو الله أن يلهمه السداد، ويهديه سبيل الرشاد. وها نحن أولاء ندعوا ونرجوا وننتظر
- ٣ -
وبعد فما هذه الأحداث التي تسمى (النهضة التركية الأخيرة)؟ نستعرض الحادثات لنرى ما هي:
فأما ذود الترك عن حياضهم، ودفعهم عن استقلالهم، وإيثارهم الموت الحر على العيش الذليل فشنشنة أعرفها من أخزم، عرف الترك بها في كل زمان، وامتازوا بها في كل ميدان، وكان لسلفهم فيها غرر مشهورة، وأعمال مأثورة، يدوي بها التاريخ ويشهد بها العدو والصديق. فلا ينبغي أن يعد هذا من (النهضة الأخيرة). فقد كان السلف فيه خيراً من الخلف. كان ميدانهم أوسع، وعدوهم أكثر، وخطبهم أفدح، وعبثهم أثقل. وتلك، على كل حال، محامد ينبغي أن تتقيلها الأمم، ويتنافس فيها أولو الهمم
وأما عكوف الحكومة التركية الحديثة على إصلاح البقعة التي أبقتها الأحداث في أيديها، وتركتها النوائب من الميراث العظيم - عكوفهم على الإصلاح والتعمير والتنظيم فأمر محمود، وسعي مشكور، وفرض تأخر عن وقته، إذ حالت دونه الخطوب الكارثة، والمصائب المتوالية؛ وهم في هذا الإصلاح ليسوا مبتدعين ولا سابقين، فهم يحتذون على مثال الأمم التي سبقتهم في الغرب والشرق. هم في ذلك مأمومون لا أئمة، ومقتدون لا قدوة. والأئمة في ذلك أمم أوربا، عنها أخذوا وبها اقتدوا. وعملهم في هذا التقليد، عمل حميد. والله يهيئ لهم في ذلك رشداً، ويهديهم إلى الخير أبداً
- ٤ -
وبعد ذلك أمور نجمل الكلام فيها واحدة واحدة، ثم نلق عليها نظرة جامعة لنتبين أين مبدؤها