ومنتهاها، ومصدرها وموردها، ونرى مكانها من الاختراع أو المحاكاة، وسنعترف لهم في هذا بحسناتهم، ونأخذ عليهم سيئاتهم، أخذ الصديق الناصح لا العدو الشامت، آملين أن يزدادوا من الإحسان، وينزعوا عن الإساءة
ونحن إذا خاصمنا القوم في هذه الأمور فليس خصمنا الأمة التركية جميعها بل الحكومة التركية، يشاركنا في رأينا كثير من رجالات الترك الذين حملت كواهلهم أعباء الحرب الأخيرة، ومهدت أعضادهم لهذا النصر المجيد، ويشاركنا كثير من العلماء وأولى الرأي، وكثير من المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً
ونبدأ بمسألة الخلافة، إذ جعلوها فاتحة هذه الأمور، ومفتاح هذه النهضة، قانعين بالقول الموجز واللمحة الدالة في هذا الموضوع الواسع:
مهما يقل القائلون في صحة الخلافة العثمانية وفسادها، وجدواها وضررها، ومهما يفتن المجادلون في تبيان ما جلبت على الدولة من مصائب، ورمتها به من عداوة أوربا، فلا ريب عندي أن الخلافة ما أضرت بالدولة العثمانية قط بل نفعتها أحياناً.
ما حاربت أوربا العثمانيين بما كانوا دولة الخلافة، بل بأنهم دولة مسلمة شرقية. وقد ثارت الحروب منذ نشأت الدولة قبل أن يلقب الخليفة العباسي في مصر بيزيد الأول بلقب (سلطان الروم)، وقبل أن يفتح السلطان سليم مصر ويحمل إلى استنبول الخليفة المتوكل على الله. ولم يكن مكان الترك في الخلافة الإسلامية واضحاً في معظم أطوار حروبهم، بل استقرت لهم الخلافة عند المسلمين ودول أوربا أثناء هذا الجلاد المديد، والحروب المتوالية، إذ اعترف المسلمون أن رأسهم هو هذه الدولة القوية المجاهدة، واعترف الأوربيون في العصور الأخيرة أن للترك أن يتكلموا عن المسلمين كما يتكلم الروس عن المسيحيين. فلم تكن الحروب نتيجة الخلافة، بل كانت الخلافة نتيجة الحروب، وهي على هذا لم تكن واضحة ولا ادعاها العثمانيون صراحة إلا في العصور الأخيرة. . . لو أن أوربا شنت على الدولة العثمانية غاراتها من أجل الخلافة فلماذا قضت على الدولة التيمورية في الهند، ودولة الأشراف السعديين في المغرب وغيرهما؟ ووالت غاراتها على المسلمين في المشرق والمغرب
والحق أن انتحال الخلافة نفع الدولة العثمانية حين ضعفها، وكساها هيبة وجلالاً في الشرق