لقد استوقفت نظري في العدد ٣١١ من الرسالة الغراء عنوان الكلمة التي كتبها الأستاذ العلامة الدكتور زكي مبارك عن الأستاذ العلامة أحمد أمين، فحسبت أن قول الدكتور في العنوان (جناية أحمد أمين على الأدب العربي) يطوي وراءه معنى غير المعنى الصريح؛ لأن الأستاذ أحمد أمين، إن لم يستأهل أن يسمى أديباً بكل ما في الكلمة من معان، فهو، بلا ريب، من أعاظم العلماء الذين خدموا العلم والفلسفة والأدب العربي بدراسات لا مثيل لها في لغة العرب؛ فأسدى بذلك إلى كل أديب ومتأدب عربي لا يحسن الاستقاء من معين الفرنجة خدمة لم يسبقه إليها سابق بمثل الطريقة التي سلكها. فكيف يكون من هذا شأنه في خدمة العلم والفلسفة والأدب جانياً على الأدب جناية يستحق عليها التشهير بين الناس؟
لو قرأت هذا العنوان في جريدة سياسية أو كانت الكلمة لغير الدكتور زكي مبارك ما حملت نفسي عناء مطالعتها، لأني كنت أذهب إلى أنها كلمة عدو أو حسود أو جاهل؛ ولكن المجلة مجلة (الرسالة) وما أدراك ما الرسالة، والكاتب هو الدكتور زكي مبارك فماذا أقول؟
إن الدكتور زكي مبارك هو أحق الناس بعرفان فضل أحمد أمين، وإن الدكتور زكي مبارك لأولى الناس بالدفاع عن أحمد أمين لو حاول هدمه شخص آخر. هكذا رأيناه قد فعل عندما غضب لكرامة الأدباء في مصر يوم حاول النيل منهم ناشئة الأدب في لبنان.
قد لا تكون كلمة الدكتور في حقيقة أمرها تطوي الشيء الكثير من الظلم لأحمد أمين، ولكن الظلم والقسوة يبدوان في العنوان؛ وطالما كانت ضخامة العناوين أشد أثراً في تحويل أفكار المتأدبين الناشئين وتضليلها مما وراء العناوين. فهل يرضي الدكتور مبارك أن يستقر في أذهان هؤلاء أن أحمد أمين من الجناة على الأدب العربي؟
لا ريب في أن الأستاذ أحمد أمين لم يكن موفقاً في المقالات التي كتبها في (الثقافة) مؤخراً: لا أقول هذا مجاراة للدكتور مبارك بل هو شيء لاحظته منذ شهرين، وقلته لبعض عشاق أحمد أمين، وأنا منهم. فكل من قرأ مقالاته التي كتبها بعنوان (جناية الأدب الجاهلي على الأدب العربي) أدرك أن العلامة الكبير لم يأت بشيء في هذا المضمار: لأن التأثر بالأدب القديم ليس مما يستطيع الأديب التفلت منه كما يتفلت من اللفظة الوحشية عند صوغ الكلام؛