(الريح شرعت تهب، والكون قد غشيه الظلام، أفما آن أن نعود إلى بيوتنا؟)
لقد هبت الريح تعصف بأوراق الشجر الصفراء، وانثال علينا من السماء هاطل من البرد، فأنزلق قدم أحدنا وكاد أن يهوى على الأرض الموحلة لولا أن تدارك نفسه فأهوى بيده على صليب أغبر كبير كي يتقي به السقوط، ثم راح بعد ذلك يقرأ ما كتب عليه:
(إيغورغريازنوروكوف المشاور الخاص والفارس). . إنني لأعرف هذا الرجل، كأن كلفاً بزوجه ويتقلد وسام ستانسلاف ولا يزعج نفسه بقراءة شئ، أما ذوقه فكان جميلاً، إنها لحياة لا يأسى امرؤ على أنه حييها، ولطالما جال في خاطر الناس أن لم تكن بمثل هذا حاجة إلى أن يموت. ولكن للأسف، فإن حادثاً أليماً كان في انتظاره، فلقد خر المسكين صريع حبه للمعرفة، إذ بينا كان ذات يوم يختلس النظر من خصاص باب إذ صدم الباب رأسه بعنف فأفقده الوعي ثم. . . مات تحت هذا الصليب يرقد إنسان أبغض الشعر منذ المهد، وكأنهم يسخرون منه إذ ملأوا النصب كله بالشعر. . . ها قد أقبل بعض الناس!)
أقبل نحونا رجل بمعطف بال ووجه شاحب حليق، يتأبط قنينة من الفودكا، وقد برزت من جيبه رزمة من شرائح لحم مقدد، ثم سألنا بصوت أجش (أين موشكين الممثل؟!) فقدناه إليه، وكان موشكين هذا قد مات منذ عامين، ثم سألناه:(أأنت موظف حكومي؟) فأجابنا: (كلا إنما أنا ممثل، إن المرء لا يستطيع في هذه الأيام أن يميز ممثلاً من موظف حكومي، ولعلكم لاحظتم ذلك. إنه لشيء عجيب وإن لم يكن فيه ثمة حط من قدر الموظفين).
لقد كان عسيراً أن يجد المرء قبر موشكين، فلقد علته أعشاب فتبدي مما كسبه أبعد ما يكون عن المقابر. كان عليه صليب رخيص صغير ومائل، نمى عليه الطحلب وعلق به الثلج، فلاح قاتماً عتيقاً كتب عليه (الصديق المنسي موشكين)، ولقد أزال الزمن حرفين من النصب وأصلح ضجعة الرجل. ولقد تنهد المثل وجثا حتى مست ركبتاه الأرض الموحلة، ثم قال:(لقد أكتتب الممثلون والصحفيون بما لم ليقيموا به نصباً له، ثم شربوه، يالهم من صبية أبرار!)