للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الأثر المصري]

في نهضتنا الأدبية الحاضرة

للأديب بشري السيد أمين

قبل فتح السودان الأخير الذي تم للحكومتين المصرية والإنجليزية في سنة ١٨٩٨ بقليل، كان الأدب والعلم بمعناهما المعروف في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين محصورين في فئة قليلة من الناس. فلما أراد الله، ولا راد لإرادته، وقضى، ولا ناقض لما قضى، أن يتم فتح السودان الأخير على المصرين والإنجليز، كان غنماً لنا بدل أن يكون غرماً علينا، وعاد علينا بأحسن الفوائد وأبركها بدل أن ينزل على رؤوسنا الويل والثبور وعظائم الأمور. وهذا من أعجب ما يبعث في النفوس العجب؛ إذ كان المنظور أن تأتي النتائج بعكس ذلك؛ وهذا طبعاً لا ينفي القول الكريم بأن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة. فانتشر العلم، وذاع الأدب، وشاع في السواد الأعظم من شباب مدننا لكثرة ما أنشأ السادة الحاكمون من المدارس في مدن السودان الكبيرة وعواصمه، وما اهتموا به من شأن العلم والتعليم، وما أنشأوا من صحف وطبعوا من كتب. هذا إلى جلبهم مطابع لهذا الغرض وفت به كل الوفاء، وجعلت مدن السودان وأقاليمه القاصية، مرتبطة بالدانية منها، كالسلسلة الواحدة، لا يفصمها إلا بعد المسافة. وحتى هذه ذللت تذليلاً حال استقرار الحكم للمصريين والإنجليز بالبلاد، بإنشاء الخطوط الحديدية العديدة في كثير من أنحاء السودان وقد تولى التعليم في مدارس السودان أكفاء من خيرة الأساتذة المصريين، المشهود لهم بالعلم الغزير والأدب الكثير، فأداروه على خير الوجوه وأحسنها، وتصرفوا في شؤونه تصرفاً هو الغاية لمن يريد الإحسان، فكان عهد المصريين الأول من خير العهود التي مرت بالسودان في جميع أدواره الثقافية

وإني لأذهب إلى القول الآن غير متحفظ أن نهضتنا الأدبية الحاضرة ما هي إلا وليدة تلك الروح العلمية الأدبية السامية التي سرت إلينا من إخواننا المصريين الذين تولوا تعليم ناشئتنا في المدارس التي أنشأوها، والتي وجهتنا بعد ذلك فأحسنت التوجيه

ولا يفوتني أن أذكر - وأنا أكتب عن الأثر المصري في الأدب السوداني - ما للمحاضرات والمساجلات والمسامرات التي كان يتولى شؤونها أساطين البلاغة وجهابذة

<<  <  ج:
ص:  >  >>