تكلمت في المقال السابق عن تميم مشيراً إلى أنها كانت تسكن جزءاً من نجد.
وأذكر أنها مع القبائل التي تجاورها يشتركون في بعض اللهجات، وإذا ما وردت لهجة في كتب النحو والقراءات واللغة خاصة بنجد كانت شاملة ضمناً لها. كما يغلب أن تشترك القبائل النجدية الأخرى فيما يذكر لهذه القبيلة، لتجاورهم في المسكن وقرب اتصالهم. وتميم شاركت أحياناً قبيلة أسد لمجاورتها لها من ناحية وشاركت بكر بن وائل من ربيعة لمجاورتها لها من ناحية أخرى وشاركت لخماً لا متأثرين بالفرس لمجاورتها لهم من ناحية ثالثة، وما ذلك إلا لأن تميما منها بطون كثيرة كيربوع وطهية ودارم ومازن وحنظلة. وقد تنفرد كل قبيلة مجاورة لتميم بما يؤثر عنا من لهجات وذلك ما نراه حادثاً حتى الآن في بلدين متجاورين من اختلاف في معاني الألفاظ أو طريقة أداء الكلمات.
وسأعرض للهجة كل قبيلة مستقصياً ذلك ما أمكن مشيراً إلى ما كان للهجتها من أثر في القراءات أو اللغة ونحوها وصرفها وأولى اللهجات التي سأذكرها هي لهجة تميم.
١ - ما الحجازية وما التميمية
تعمل (ما) عمل ليس في لهجة الحجازيين فترفع الأسم وتنصب الخبر بشروطها. أما عند التميميين فلا تعمل ويكون الاسمان بعدها مرفوعين. وجاء في القراءات على لغة الحجازيين:(وما منكم من أحد عنه حاجزين)(ما هذا بشراً) و (ما هن أمهاتهم) وقد قرأ عبد الله بن مسعود على لغة التميميين برفع بشر وقرأ المفضل عن عاصم برفع أمهاتهم على لغتهم. وقد تظرف أحد الشعراء النحاة حيث يذكر لنا أنه طلب من محبوبه الانتساب إلى قبيلته فلم يجبه بصريح القول، وإنما ذكر له تعبيراً فهم منه القبيلة التي ينتسب إليها فقال:
ومهفهف الأعطاف قلت له انتسب ... فأجاب: ما قتل المحب حرام
فإجابته (ما قتل المحب حرام) أفادت أنه تميمي لأنه لم يجعل (ما) تنصب الخبر، ولو قال: ما قتل المحب حراماً، لفهم منه أنه حجازي.