للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نفوس عراقية ثائرة]

للأستاذ حمدي الحسيني

١ - الشيخ عبد المحسن الكاظمي - طيب الله ثراه - شاعر عربي استقلالي. نشأ في بغداد فاشتغل فيها بالتجارة ثم بالزراعة، فلم ينجح في كلا العملين فتوجه نحو الأدب وكل ميسر لما خلق له. فطالع كتب الأدب وحفظ من الشعر القديم أثني عشر ألف بيت فعرف فضله ونبه ذكره. واخذ يفكر في العرب والمسلمين، وما هم عليه من الخضوع والذل، حتى قدم السيد جمال الدين الأفغاني إلى بغداد منفيا من حكومة ايران فالتقى به الكاظمي وعقدت الصداقة والمبادئ بين قلبيهما. وما كاد الأفغاني ينفى من بغداد حتى شعر الكاظمي بان الخطر يقترب منه لأنه صديق الأفغاني ولأنه يناضل الحكومة العثمانية على نور القضية العربية، فاضطر أن يغادر بغداد وينتقل في البلاد الإسلامية حتى ألقى عصا تسياره إلى مصر، وجعلها دار إقامته، ولامس قضيتها الوطنية بزعامة سعد ملامسة قوية حارة، نظم فيها القصائد الكثيرة العامرة، ولم يخرج منها إلا بعض الأقطار العربية المجاورة.

وقد زار فلسطين وشرق الأردن بعد الحرب العالمية الأولى، فأقام بيننا في القدس مدة قصيرة رأينا خلالها من أدبه الجم ما ملأ النقوس إعجابا، ومن عواطفه الوطنية ما أفعم القلوب سرورا وطربا. مما دعا العرب في فلسطين أن يقوموا له بعد وفاته حفلة تأبين كبيرة في مدينة يافا دعوا إليها عددا من أهل الفضل في البلاد العربية. وقد تكلم في هذه الحفلة نخبة من عارفي فضل الكاظمي. والمعجبين بشعره ووطنيته وتضحيته، منهم المرحومان إبراهيم عبد القادر المازني وإسعاف النشاشيبي والأستاذان أسعد داغر وعجاج نويهض وكاتب هذه السطور وغيرهم

فالكاظمي يعد من شعراء القومية العربية والقضية الاستقلالية. وأما النبع الذي يفيض على سعره الوطني بالقوة فهو المبدأ القويم الراسخ. والكاظمي كان منفردا بين شعراء العرب والمعاصرين في القدرة على نظم المطولات ارتجالا. وأما أخلاقه الشخصية فالفضيلة بكل معانيها، ولعل الإباء وعفة النفس هي أقوى أخلاقه وهي من أقوى أسباب بؤسه وشقائه في حياته. ولنسمع الآن الكاظمي يخاطب حرية العرب المسلوبة ويتودد لهذه الحرية حتى تعود إلى البلاد العربية المشوقة لجمال طلعتها

<<  <  ج:
ص:  >  >>