قد لا يكون من الحكمة أن نتعجل بحث الفروق السيكلوجية بين الأجناس البشرية من قبل أن نعرف: ما هو المقصود بالجنس؟ وما هي أنواع الأجناس المختلفة التي يدور البحث حولها؟
والموضوع من التعقيد بمكان، فقد شغل فقهاء اللغة، وعلماء الأجناس وعلماء الاجتماع والسياسة، ولا يزال يشغلهم حتى الآن، ولم يوفقوا بعد إلى رأي نهائي. وكل ما وصلوا إليه إنما هو حدس وفرض. وسبب ذلك أن موضوع الأجناس البشرية يبحث في القديم من التاريخ وفيما قبل التاريخ.
وليس ثمة من الوثائق التاريخية أو الأثرية ما يكفي لتحقيق فرض أو إثبات نظرية، كما يبحث أيضاً في الأجناس الحاضرة. وما قام به العلماء من محاولات لكشف ما عسى أن يكون من صفات جسمية وعقلية وخلقية مشتركة تميز طائفة من البشر عن غيرها لم يؤد بعد إلى حكم جازم بأن هذه الطائفة - مثلاً - متميزة كل التميز عن تلك. وذلك لما حدث في الماضي من هجر بعض الشعوب مواطنها الأولى واستقرارها في مواطن أخرى وامتزاجها بسكان هذه المواطن الأصليين بالتزاوج والتناسل، حتى أصبح من العسير علمياً أن يقال إن هذه الطائفة من الناس نقية الجنس لم تختلط بغيرها. وهذا ما جعل تعريف الجنس نظرياً فقط لا واقعياً. وهم يقولون إن الجنس من الأجناس البشرية هو جماعة كبيرة من الناس تنتمي إلى أصل واحد قديم، وتتميز بخواص جسمية وعقلية وخلقية مشتركة تميزاً وراثياً
والمتأمل في هذا التعريف لا يستطيع أن يجزم بالحد الذي تكون به الجماعة (كبيرة) بحيث تكوِّن الجنس. فجماعة سكان استراليا الأصليين مثلاً لا تعتبر كبيرة إذا قارناها بالترك، مع أن علماء الطبائع البشرية يعتبرون السكان الأصليين لأستراليا جنساً مستقلاً، بينما الترك فرع من الجنس المنغولي. وعلماء النفس لا يُقرون - كما سنرى - القول بوجود تلازم بين الخواص الجسمية والعقلية أو الخلقية. فإن وجود أنواع من الأجناس البشرية، تتميز بصفات جسمية خاصة، لا يدل مطلقاً على وجود تميز عقلي أو خلقي لهذه الأجناس، لأن