ذكاء المرء أو خلقه لا يمكن أن يحكم عليه عادة بشكل جسمه، ولأنا إذا سلمنا بوجود اختلاف بين الأجناس في العقل والخلق كنتيجة ملازمة لاختلافها في الشكل والمنظر، كان معنى هذا أن الأفراد يختلفون بالضرورة عقلاً (أعني ذكاء) وخلقاً باختلاف مناظرهم وإشكالهم. وقد أثبتنا في المقالات السابقة أنه لا توجد علاقة تلازمية بين الخواص الجسمية وبين الذكاء، ولا بينها وبين الخلق
ولقد كان الرأي السائد حتى منتصف القرن الماضي أن الأسرة البشرية إنما تنقسم إلى ثلاثة أجناس: سامي وحامي، ويافثي. وهذه هي نظرية التوراة المذكورة في قصة نوح، فإنه لما استوت فلكه على الجودي كان معه من أبنائه الناجين سام وحام ويافث (وكان بنو نوح الذين خرجوا من الفلك ساما وحاما ويافث. وحام هو أبو كنعان. هؤلاء الثلاثة هم بنو نوح. ومن هؤلاء تشعبت كل الأرض). ولقد شك كثير من العلماء في صحة رواية التوراة، وأيدوا شكهم هذا بحجج منها أن التوراة تجعل الكعنانيين من الحاميين مع أنهم أقارب الإسرائيليين وتربطهم بهم روابط عنصرية ودموية ولغوية وثيقة. كما تأثر فقهاء اللغات بهذه النظرية فقسموا لغات البشر إلى ثلاث طوائف: السامية والحامية واليافثية. ولكن العلماء الآن لا يرون ضرورة وجود علاقة بين اللغة والجنس. فالعرب - كما يقول الأستاذ مرجليوث - ليسوا ساميين لمجرد أن العربية هي إحدى اللغات السامية، فقد يشترك في تكلم اللغة الواحدة أكثر من جنس واحد. وإلى هذا يشير الكاتب الإنجليزي العالمي هـ. ج. ويلز بقوله: (وقد حدث أن خلط فقهاء اللغة بين اللغات والأجناس فافترضوا أن الأقوام الذي يتكلمون لغة واحدة مشتركة لا بد أن يكونوا من جنس واحد مشترك، وهذه ليست الحقيقة. ومن السهل على القارئ أن يعرف هذا إذا عرف أن زنوج أمريكا يتكلمون الآن الإنجليزية، وأن الأيرلنديين - إذا استثنينا استعمالهم للغة الأيرلندية القديمة لأسباب سياسية - يتكلمون الإنجليزية أيضاً كما يتكلمها سكان ويلز ببريطانيا بعد ما فقدوا لغتهم الكِلتية القديمة. وكل ما تدل عليه اللغة المشتركة بين الأجناس المتباينة هو حدوث اختلاط اجتماعي في الماضي بين متكلميها مختلفي الأجناس، واشتراكهم في مستقبل واحد، ولا تدل على أصل مشترك واحد
لم يتفق علماء الطبائع البشرية على الخصائص التي تميز جنساً من الأجناس البشرية عن