للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٢ - بقية حديث في فرنسا]

للأستاذ عبد المنعم محمد خلاف

المقال الثاني

مما لم ينشر في سنة ١٩٤٠ مضافا إليه بعض ما يتصل به

حديثاً

يذكر الذين شهدوا معرض باريس العالمي الأخير سنة ١٩٣٧ شبه أقفاص أنهم رأوا في أقسام المستعمرات الفرنسية تضم أفراداً من الإنسان الأفريقي والإنسان الأسيوي الذين قضى على أممهم سوء الطالع أن تقع في براثن الاستعمار الفرنسي. وقد عرضوا على أعين الناس أشباه عرايا كأنهم أنواع من (الغورلا) أو (الشمبانزي) أو الوحوش. . . وزيادة في الإزراء بهم وكلوا حراستهم لجماعة من النساء العجائز.

هكذا سمعنا ممن شهدوا هذا المعرض، ولعلني رأيت صوراً لذلك في بعض المجلات المصرية او في دور السينما فيما أظن.

هذه واحدة لفرنسا حامية حقوق الإنسان! التي أوقعت في روع البسطاء أنها اتخذت من ثالوث الحرية والإرخاء والمساواة إلهاً سياسياً بشرت به معها أذنابها في بقاع الأرض.

لقد يغفر الله لفرنسا آثامها في نفسها وفساد حياتها وانحلال روابط الأخلاق فيها وما إلى ذلك من موابقات ومدمرات العمران. . . أما أن يغفر لها امتهانها كرامات الإنسان على هذا النحو وعلى رؤوس الأشهاد بعرضه هكذا، فذلك ما لا أظن الله مقدس الروح الإنساني ولو كان في جسمِ مِسْخٍ، وخالق الناس ألواناً وأجناساً شتى، قد تجاوز عنه لفرنسا!

ما أسعد العجزة والبُله والممسوخين وناقصي الخلقة في الشرق الإسلامي وخاصة في مصر! إنهم يعاونُون وتفاض عليهم ألوان الكرامة من القادرين الكاملين إلى درجة الاعتقاد بأنهم أولياء الله يتبرك بهم ويسعى إليهم ويعطف عليهم؛ لأن وراء النظرة إليهم إدراكاً من الناظرين أن الذي خلقنا كاملين هو خلقهم ناقصين، فهم غير مسئولين.

خلقتُ على ما فيّ غيرَ مخيَّر ... هواي ولو خُيَّرتُ كنت المهذبا

ولأن الناس يعتقدون أن الذي خلقهم هكذا ضعفاء وسط معترك الحياة لاشك سيتولى الدفاع

<<  <  ج:
ص:  >  >>