ولكن الفرنسيين ينظرون إليهم كأنهم حيوانات بشرية في أفق أسفل. ونحن لا نريد أن ننظر إلى هؤلاء الناقصين نظرة الازدراء والإهدار، ولا نظرة التقديس والإكبار، فإن في كلتا النظريتين خروجاً على الصواب، ولكننا نريد أن نوازن بين حظ الروح الإنساني من التقديس في الشرق والهوان في فرنسا التي تزعم ويزعم لها أذنابها أنها حامية حقوق الإنسان. . . ونريد أيضاً أن نقول للذين يدافعون عن روح فرنسا: إنهم لو قضى عليهم سوء الطالع فوقعوا تحت نير الاستعمار الفرنسي ما كان يستعبد أن تحشر فرنسا أقاربهم من الفلاحين المحرومين من العلم والتهذيب والمدنية في أقفاص لتُفَكِّه بهم رواد معارضها تفريجاً عن قلوبهم - إن كان في هذا فرجة قلب - وزيادة في جلب وسائل إحاطتهم بالمعلومات. . .
وإن في القرى المصرية من ناقصي الخلقة الملونين بتغير اللون الأبيض أمثال من في بلاد شمال أفريقية والهند الصينية وجزر مدغشقر الذين عرضت منهم فرنسا نماذج.
يكاد يكون الإعجاب بفرنسا عند جمهور المدافعين عنها المحزونين على سقوطها يدور على محاور ثلاثة:
١ - مبادئ ثورتها التي زعموا أنها أول ثورة أعلنت حقوق الإنسان واتخذت من ثالوث الحرية والإخاء والمساواة إلهاً سياسياً.
٢ - دنياها الفكرية والأدبية التي ينمو فيها كل رأي بدون حرج ولو كان فيه حتف الدولة والدين. . .
٣ - دنيا باريس (ذات المائة درجة والمائة دركة) بما فيها من حقائق وأباطيل، وضلال وهدى، ورشد وسَفَه.
أما الثورة الفرنسية فلم أر ثورة حبطت في أرضها وضاع أكثر ما بذل من الدماء هباء منثوراً مثل حبوطها وضياع جهودها. . . ومع ذلك فقد ظفرت في الشرق الإسلامي وخاصة مصر بدعاية فتنت الشباب فتنة العمى، وأنستهم أن في مواريثهم الفكرية ولسياسية مبادئ أكمل وأكرم من مبادئها قد رآها التاريخ وسجلتها صحائفه قبل أن تثور فرنسا بألف ومائتي سنة. فلا ينبغي لهم أن يذكروها إلا بترتيبها التاريخي كصدى بعيد جداً للثورة